بلير في غزة: مشروع إنقاذ أم وصفة لنسف ما تبقّى من المشروع الوطني؟

shutterstock

shutterstock

منذ أن تسلّمت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحكم وإدارة السياسة الخارجية، بدا واضحًا أنها لا تبحث عن حل عادل للقضية الفلسطينية ووقف حرب الإبادة في قطاع غزة، بل عن ترتيبات آنية تُرضي إسرائيل على حساب الفلسطينيين وحقهم في تقرير المصير. لقد ساهمت إدارة ترامب في تطبيع الإبادة واستمرار الحرب، بدلًا من تقديم حل عادل، واستكملت إشعال حروب نتنياهو في المنطقة العربية، ومنحته شرعية وغطرسة إضافية لتنفيذ مشاريعه التوسعية والعدوانية.




اليوم، تعود هذه الذهنية إلى الواجهة مجددًا، مع ما كشفته صحيفة هآرتس عن مبادرة أمريكية تهدف إلى تشكيل هيئة دولية لإدارة قطاع غزة، قد يرأسها توني بلير، السياسي البريطاني المعروف بعلاقاته الوثيقة بالمؤسسة الإسرائيلية واليمين الأمريكي، أكثر من قربه إلى أي فكرة عن الحقوق الفلسطينية العادلة.





إن إعادة تدوير بلير في المشهد الفلسطيني ليست إلا إشارة جديدة على أن العالم يتعامل مع غزة باعتبارها "أزمة إنسانية مزمنة" ضمن إطار أمني اقتصادي وإنساني ضيق، تحتاج إلى إدارة مؤقتة، بدلًا من الاعتراف بها كجزء لا يتجزأ من القضية الفلسطينية. ومع أن الخطة المطروحة ما تزال ضبابية، إلا أن ملامحها الأولى تكشف عن معادلة مقلقة: فصل غزة سياسيًّا عن الضفة، وحرمان الفلسطينيين من السيادة، واستبدالها بهيئات دولية أو أمنية تشرف على السكان لا على القرار الوطني.



الخطة تتحدث عن هيئة دولية تُكلَّف بإدارة غزة وإعادة إعمارها، ويُحتمل أن يترأسها توني بلير. وتدور حولها تساؤلات كثيرة، أبرزها: من الذي اختار بلير؟ ومن فوّضه؟ وهل يملك تاريخًا نزيهًا في التعامل مع القضية الفلسطينية؟ أم أن اختياره يعكس توجهًا لإدارة القطاع كملف أمني واقتصادي، بعيدًا عن أبعاده السياسية والجذرية؟



بلير، الذي شغل منصب المبعوث الرباعي للسلام سابقًا، لم يترك خلفه أي إنجاز يُذكر. بل على العكس، تحوّلت مهمته إلى بوابة لصفقات مشبوهة مع أنظمة وشركات، وسط انتقادات فلسطينية متكررة.

فهل هذه هي الشخصية التي ستعيد إعمار غزة وتنقلها إلى مرحلة سياسية جديدة؟ أم أن في الأمر ترتيبًا دوليًا لإخضاع غزة لمنظومة ما بعد حماس، ولكن من دون سيادة فلسطينية حقيقية؟



اللافت أن الخطة – كما نقلت الصحيفة – تستبعد السلطة الفلسطينية من المرحلة الأولى، ولا تحدد جدولًا زمنيًا واضحًا لتسليمها الحكم في غزة. هذا الغموض يفتح الباب واسعًا أمام إسرائيل لعرقلة أي دور للسلطة، خاصة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يكرر رفضه الصريح لعودتها إلى القطاع. والمفارقة أن ادارة ترامب تتحدث عن شراكة مع العرب والسلطة، لكنها تضع الأسس بطريقة تُفرّغ السلطة من دورها الحقيقي، وتُحوّلها لاحقًا إلى مجرد جهاز تنفيذي تحت مظلة دولية، أي سلطة بلا قرار، ولا سيادة، ولا قدرة على فرض رؤية وطنية مستقلة.


النتيجة المتوقعة: تثبيت الانقسام بين غزة والضفة، والانتقال من سلطة فلسطينية منقوصة السيادة إلى إدارة دولية بلا مساءلة ولا شرعية وطنية.




الدور العربي: بين الغموض والضغط


بحسب التقرير، فإن دولًا عربية مثل مصر، والإمارات، والأردن قد تكون جزءًا من ترتيبات أمنية مستقبلية في غزة، عبر إرسال قوات أو المشاركة في الهيئات الدولية. غير أن الموقف العربي ما يزال مترددًا، ويعبّر عن قلق مشروع: من يُواجه حماس؟ من يضبط الأمن؟ من يضمن عدم انزلاق الأمور إلى صراع جديد؟ هل المطلوب أن تكون هذه الدول "قوات فض اشتباك"، أم أدوات لنزع سلاح المقاومة بالقوة؟


الأسئلة كثيرة، والإجابات غائبة. لكن الثابت أن الزج بالقوات العربية في غزة – دون إطار سياسي واضح – يعني جرّ المنطقة إلى صراع جديد، ستكون له كلفة سياسية وشعبية باهظة، لن تتحملها هذه الدول.



في العمق، تعكس هذه الخطة منطق إدارة الأزمة لا حلّها. فبدلًا من معالجة الأسباب الجذرية للحصار والانقسام والصراع، يجري الحديث عن "مرحلة انتقالية" بلا نهاية، و"إعمار اقتصادي" بلا سيادة، و"نزع سلاح" بلا مصالحة وطنية.


هذا النموذج لا يختلف كثيرًا عن تجارب سابقة في أماكن مثل البوسنة وكوسوفو، حيث تحوّلت الهيئات الدولية إلى سلطات فوقية تدير الأرض دون مساءلة شعبية، وتنتهي الأمور بقهرٍ مُقنّع خلف شعارات إعادة الإعمار والتنمية والمساعدات.



غزة ليست مشروعًا دوليًا، ولا أزمة إنسانية، بل جزء حي من القضية الفلسطينية. وأي محاولة لإدارتها عبر هيئات دولية برئاسة شخصيات مثل بلير، دون شراكة فلسطينية حقيقية، ودون حل شامل ينهي الاحتلال ويُعيد الحقوق، لن تثمر إلا عن تعقيد جديد يُضاف إلى سجل الفشل.



قد يكون الأكثر أهمية للفلسطينيين في قطاع غزة اليوم هو وقف الإبادة الجماعية، لكن الشعب الفلسطيني لا يحتاج إلى هيئة دولية جديدة، بل إلى دعم دولي حقيقي لحقه في تقرير مصيره، وبناء دولته على كامل ترابه الوطني، من دون احتلال ولا وصاية.


يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

phone Icon

احصل على تطبيق اذاعة الشمس وكن على
إطلاع دائم بالأخبار أولاً بأول

Download on the App Store Get it on Google Play