بعد عامين من الحرب.. أصعب ما واجهه أهل غزّة لم يكن القصف

shutterstock

shutterstock

بعد عامين على اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ما تزال غزة تعيش بين الدمار والنجاة، بين البحث عن الحياة ومحاولة التكيّف مع الموت.

خلف الأرقام الباردة في نشرات الأخبار: نحو ربع مليون شخص ارتقوا نتيجة القصف الإسرائيلي المتواصل، ومئات الآلاف من الجرحى، وملايين النازحين، تختبئ حكايات لا تقل قسوة عن القصف نفسه.


فما واجهه الناس هناك، لم يكن فقط انهيار البيوت والمستشفيات، بل انهيار الإحساس بالزمن، وبديهيات الحياة اليومية: المدرسة، والزواج، والخصوصية، لا بل حتى لحظة الحزن على الفقدان.

في أحدث البيانات، يُشير تقرير الأونروا إلى أن 432 مبنى مدرسيًّا (حوالي 76.6٪ من المباني التعليمية في غزة) قام الجيش الإسرائيلي بقصفها بشكل مقصود.

وكذلك، تُشير اليونسكو إلى أن 95٪ من مدارس القطاع بحاجة إلى إعادة تأهيل أو إعادة بناء، وأن 20 ألف طالب جامعي بدأوا الاستفادة من "الجامعة الافتراضية لغزة" كحل بديل مؤقت.



shutterstock



ومع ذلك، ما تزال المدارس تُستهدف: في أغسطس 2025، أصدرت منظمة Human Rights Watch اعتراضًا على ضربات إسرائيلية لمبانٍ مدرسية كانت تؤوي نازحين، مما يؤكد أن المدارس لم تعد ملاذًا آمنًا.

مقابل هذا، تنتظم جهات تعليمية محلية ودولية في نشر "مساحات تعليم مؤقتة" توفر الاتصال الرقمي والدعم النفسي لآلاف الطلاب.

كأن التعليم صار رقعة مقاومة صغيرة في قلب الدمار، لا يُقاس فقط بعدد الدفاتر التي فُقدت، بل بمنسوب الأمل الذي يُحافظ عليه بين أطفالٍ لا يملكون سوى الأقلام الخشنة والحبر المنكسر.



فقدان يتعدّى الأرقام


حين يُقتل إنسان، يُحقّر البعض الأثر بكلمة "إحصاء"،لكن في غزة، الفقدان هو وجود مفقود: الأم التي لم تسمع صوت ابنها منذ عامين، الطفل الذي يميّز صوت الطائرة عن صوت القصف، إلخ.


في مايو 2025، قُصفت مدرسة "فهمي الجرجاوي" التي كانت مأوى لمدنيين، ما أسفر عن ارتقاء 36 شخصًا من بينهم نساء وأطفال، كما أن هجومًا على مدرسة "الفارابي" في سبتمبر 2025 أودى بحياة عدد من المدنيين الذين كانوا يلجأون إليها كملاذ مؤقت.


هذه الحوادث وغيرها تفضح حقيقة أن حتى أماكن اللجوء (المدارس والمراكز الاجتماعية) لم تعد آمنة، ما يجعل الفقدان بلا وداع أيضًا.


النساء في خندق ينتظر الدعم


النساء في غزة تعانين صمتًا مضاعفًا، تُظهر بيانات UN Women أن نحو مليون امرأة وفتاة يواجهن الجوع الحاد، وانعدام الأمن الغذائي، والتهديدات بحقوقهن الأساسية.

كما أن العوائق أمام الوصول إلى الرعاية الصحية الإنجابية مشددة: النساء في غزة يَحْرَمْنَ من وصول الإمدادات الطبية للحمل والولادة، خاصة في ظلّ الحصار والتقنيات اللوجستية المعطلة.


وفي مارس 2025، وثّقت الأمم المتحدة أن الحصار والتعطيل يمنعان إيصال مستلزمات صحة الأم إلى بعض المناطق، ما يعرض الحوامل لمخاطر شديدة.




من جهة أخرى، تقرير مستقل أشار إلى أن المرافق الصحية المتخصصة في غزة تعرّضت لهجمات، وأن تدمير مرافق الصحة الإنجابية يُشكّل جزءًا من ما وصفه التقرير بـ "الأعمال القائمة على النوع الاجتماعي" كجزء من استهداف ممنهج.

في ظل هذه الشروط، كثير من النساء تضطّر للتحمّل بصمت  يُنجبن في الظروف الصعبة، ويُعالجن بالبدائل، ويُقاتلن للحفاظ على كرامة في زمن يُعيد فيه النزاع تعريف ما يُسمّى “الخصوصية”.


الفرح في زمن القصف



في خضم هذا الواقع، يبدو الفرح أكثر تهديدًا من الفقدان، فعلى مدى العامين الماضيين، امتلأت منصات التواصل الاجتماعي بقصص مؤلمة عن أفراح لم تقم، وخطوبات ألغيت في اللحظات الأخيرة.

شبابٌ من غزة شاركوا متابعيهم صور فساتين الزفاف المغبّرة تحت الركام، ورسائلهم التي تبدأ عادةً بـ"كان المفروض اليوم يكون عرسي…". كل منشور تحوّل إلى شهادة صغيرة عن زمنٍ لم يعد يعرف الفرح كما كان.


بين الفيديوهات المنتشرة، نرى عروسًا تُجهّز فستانها في ملجأ، وأخرى تضحك وسط الظلام بينما تطفئ الأنوار خوفًا من القصف.

العريس الذي كتب: "ألغينا الفرح… بس مش الحب"، أصبح صدىً لجيلٍ كامل يحاول النجاة من موتٍ لا يُرى في الجسد فقط، بل في تفاصيل الحلم المؤجل.





ومع ذلك، يُمارس الناس تمردهم الصغير:

طفل يتلقى قطعة حلوى في يوم ميلاده، عروس ترتدي فستانًا بسيطًا وسط الهياكل المهدّمة، موسيقى خافتة تُسمع بين تردّدات القصف .. كل ذلك يعلن أن الحياة، رغم كل شيء، لم تُقهَر بالكامل.


زهرة تنبت في الإسمنت


ما يميّز غزة اليوم هو هذا التناقض الصارخ، حتى عندما تُدمر البيوت، تُبنى ذاكرة جديدة؛ وحين تُسكت الضحكات، يُنبت صوت الصمود؛ وعندما تختنق المدينة تحت حصار الأنقاض، تزهر بعزيمة تنبض في العيون المثقلة.

آخر التقارير تُحذّر من أن غزة قد تصبح "غير صالحة للسكن" إذا استمر هذا الوضع، مع تدمير 78٪ من المباني والضغط المتصاعد على البنى التحتية. لكن رغم كل ذلك، ما زال في ذات غزة زهرة ترفض أن تذبل.

في تلك الزهرة تتجسّد إرادة من بقي، ووجع من فقد، وأمل من يصرّ على أن يُكتب صوته في التاريخ.


يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

phone Icon

احصل على تطبيق اذاعة الشمس وكن على
إطلاع دائم بالأخبار أولاً بأول

Download on the App Store Get it on Google Play