في الشرق الأوسط، لا تسير الطاقة في أنابيب فقط، بل في مسارات السياسة والتوازنات الإقليمية، الغاز هنا ليس مجرد وقود، بل لغة تفاوض، وأداة نفوذ، ورسالة تُبعث في توقيت محسوب، وبينما تتشابك الأزمات من غزة إلى البحر الأحمر، يخرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليعلن رسميًا المصادقة على اتفاق الغاز مع مصر، في صفقة تتجاوز الاقتصاد لتلامس عمق الحسابات السياسية والاستراتيجية في المنطقة.
تفاصيل الصفقة
أعلن بنيامين نتنياهو المصادقة الحكومية النهائية على اتفاق تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر، في إطار توسيع وتطوير اتفاقات سابقة بين الجانبين، وتشمل الصفقة توريد كميات كبيرة من الغاز الإسرائيلي، المستخرج من حقول شرق المتوسط، وعلى رأسها حقل “ليفياثان”، إلى مصر عبر خطوط الأنابيب القائمة.
وتُعد الصفقة من أكبر اتفاقات الطاقة في تاريخ إسرائيل، سواء من حيث القيمة المالية أو المدة الزمنية، حيث تمتد لسنوات طويلة، وتوفر عائدات بمليارات الدولارات للشركات العاملة في قطاع الغاز، فضلًا عن الخزانة الإسرائيلية.
في المقابل، تحصل مصر على إمدادات مستقرة من الغاز، تُستخدم لتغطية احتياجات السوق المحلي، إضافة إلى إعادة تسييله في محطات الإسالة المصرية، تمهيدًا لإعادة تصديره إلى الأسواق العالمية، خاصة الأوروبية.
ولمتابعة كل ما يخص "عرب 48" يُمكنك متابعة قناتنا الإخبارية على تلجرام
الأبعاد السياسية
لا يمكن فصل توقيت الإعلان عن السياق السياسي الإقليمي، فالصفقة تأتي في لحظة تشهد فيها المنطقة توترات حادة، ما يجعل التعاون في ملف الطاقة بمثابة “خط اتصال هادئ” بين القاهرة وتل أبيب، بعيدًا عن ضجيج الملفات الخلافية.
سياسيًا، يسعى نتنياهو إلى تقديم الاتفاق كإنجاز استراتيجي يعزز مكانة إسرائيل كقوة إقليمية في مجال الطاقة، ويوفر لها شراكات مستقرة مع دول الجوار، في وقت يواجه فيه ضغوطًا داخلية وخارجية متزايدة.
أما مصر، فتنظر إلى الاتفاق من زاوية مختلفة، باعتباره جزءًا من استراتيجية أوسع لترسيخ موقعها كمركز إقليمي لتجارة وتداول الغاز، مستفيدة من بنيتها التحتية المتقدمة، وعلاقاتها المتوازنة مع أطراف إقليمية ودولية متعددة.
انعكاسات إقليمية
يحمل الاتفاق رسائل تتجاوز طرفيه، أبرزها أن شرق المتوسط بات ساحة تعاون اقتصادي رغم الخلافات السياسية، وأن ملفات الطاقة أصبحت أحد مفاتيح الاستقرار النسبي في الإقليم.
كما يعكس الاتفاق دور الوساطات الدولية، خاصة الأمريكية، في تشجيع مشاريع التعاون الاقتصادي كمدخل لخفض التوترات، وربط المصالح المتبادلة بعلاقات أكثر استقرارًا.
في النهاية لا يمكن النظر إلى اتفاق الغاز بين مصر وإسرائيل باعتباره صفقة تجارية فقط، إنه جزء من مشهد أكبر، تتحرك فيه الطاقة كأداة سياسية بقدر ما هي مورد اقتصادي، وبين أنابيب الغاز الممتدة تحت البحر، تُرسم خرائط جديدة للعلاقات، قد لا تُنهي الصراعات، لكنها تُعيد ترتيب الأولويات في منطقة لا تعرف السكون.
طالع أيضًا:
هل تحمل زيارة نتنياهو إلى القاهرة رسائل سياسية قبل الانتخابات؟