كلام من القلب - في هذا المقال نغوص معكم عبر كلام من القلب في تجربة إنسانية عميقة نستلهم من خلالها القيم وأثرها في استقامة حياة الإنسان ومنحها مزيدًا من الطمأنينة والأمان
كلام من القلب حتما يصل إلى القلب دونما جهد، ربما ترى أحدهم يسير بين الناس متكلفًا كلامًا وأفعالًا ودلائلًا تشير إلى جهده الطاغي لكنه في الأخير لا يصل ولا يمر، الصدق وحده والتلقائية هما من يصنعا الفارق، لذا فنحن معكم اليوم في حوار مفتوح حول تلك الأشياء قريبة الأثر والمفعول، كـ كلام من القلب يصدر عن إنسان ليخترق كل الحواجز، الصدق منجاة يقيك كثير من الانحناءات ودوامات الارتباك والندم، تخيل كذبتك التي أودت بك محلًا غير مرغوب، حاصرتك في نطاق من التوتر والارتباك، أنت اليوم غيرك الأمس، صرت بالكذب محاصرًا في مشكلات كثيرة، مشكلتك الصغيرة التي كذبت من أجلها صارت كبيرة وكبيرة جدًا، تعقدت صلتها مع كثير من الأشياء، لم تعد بعد شيئًا رمزيًا يمر بل صارت مشكلات متراصات فوق بعضها مبدؤها كذبة صغيرة ربما اعتبرتها مهربك ونجاتك، لكنها صارت قلقك وتوترك وما لا يحمد عقباه، كلام من القلب حينها كان كفيلًا أن يقيك كل سوء.
أتذكر في حياتي ربما ذلك الصديق القريب مني الذي تساهل في منع عتب الناس عنه بكذبة ربما رأها مخرجًا مؤقتًا يمكن تداركه فيما بعد، حيث قال أنه نجح في عامه الأول في الجامعة، لم يقف الحد لدى ذلك بل أشار إلى نجاحه بتفوق ساحق، فاختار أعلى تقدير يمكن أن يصل إليه تخيله، فرح الجميع وراحوا يذيعون الأمر في كل اتجاه، بينما هو في قرارة نفسه يعلم أنه قد رسب بشكل مفجع، ظل بالتأكيد محاط بشيء من القلق والتوتر، يريد أن يسعف ذاته بنجاح ما يقصر قدر كذبته ويجعلها قابلة للتعديل والمواربة، كلام من القلب يصدر عنه، وكأنه صادق في كل كلمة يقولها، الجميع حوله مسكن مخدر بكذبة أولية أشارت إلى نجاح ما حظي به، وهو وحده محاط بقدر لا يستهان به من قلق وخوف يكبله بالتأكيد عن بلوغ ما يريده من نجاح في سنته الجديدة.
مر هذا الشخص كما أسلفنا إلى سنة يعيد فيها الدراسة كي يتسنى له المرور والنجاح، أحيط بقدر من التفاؤل أنه قادر على تعديل الموقف والمرور إلى حيث يتمنى من الصدق والنجاح، بذل جهدًا ما؛ لكن القلق من الفشل أحاط به وعكر عليه ربما حالته، انتهى عامه الثاني بفشل ذريع ومماثل لسابقه، كيف به يواجه مجتمعه وأسرته الآن، هل يتمادى في كذبته أم يصدمهم بصدق مريب ومعقد فيه الحسرة حسرتان؛ حسرة على كذبة سابقة اختار فيها نجاحا بتفوق، وحسرة على حالة من الفشل وصل إليها حاله الآن، الصدق هنا هو كلام من القلب، تدع فيه ذاتك بتلقائية لتعبر عن الحدث لا تتداخل معه بأي قدر من التكلف أو إرادة التمويه أو التعديل، الاختيار الآن لدى هذا الشخص ما زال قائما بين كلام من القلب وصدق فيه حسرة لكنه فاصل وماحي لكل المشاكل القائمة التي ستحدث إن كذب، وبين كذب سيواصله في اتجاه لا يعلم أحد إلى أي مدى سيصله، لا تطيلوا التوقع كثيرا فمن ابتعد مرة يمكنه أن يبتعد مرات، ومن صار الكذب منفذًا له يتهرب منه من العواقب حتما سيختاره.
كذب مجددًا بشأن عامه الثاني لقد نجح في كذبته الجديدة بتفوق مماثل لتفوقه الأول في كذبته السابقة، لا أحد يفتش وراءه الجميع يعطيه ثقة لا نهائية، لكن المصيبة هذه المرة مضاعفة فناهيك عن التوتر والقلق وحمل هم المستقبل، صار تخصصه وكليته المنتسب إليها لا تقبله بعد اليوم وذلك نظرًا لرسوبه مرتين، تعقدت الأزمة وتضاعف في باله الهم، صار شريد الفكر لا يعرف كي يتصرف، شرارة الكذب الأولى صارت نار لا يقدر على إخمادها، كلام من القلبكان يمكن له أن يتدارك موقفه لكنه أصر على مواصلة الكذب، انتقل إلى تخصص جديد يراه كل الناس حوله أقل شأنا من تخصصه الأول، من نظام تعليمي عالي إلى آخر متوسط، هذا كله دون علم أحد ممن حوله، مر في دراسته به إلى حد النجاح وفقط وفي المقابل كان الكذب متواصلًا منه حيال دراسته الأولى، تراكم مجموع السنين وصار مطالبًا بتفسير ما على تأخره الدراسي الغير مبرر صار مطالبا بشهادات تدلل على نجاحه، صار مشكوكًا فيه لأول مرة، إلى كذب جديد مر فهو الآن يستكمل دراسات عليا في تخصصه، وبالتوازي مع كل هذا كان يجتهد اجتهادًا محمودًا في عمل حر يتطور فيه ليدر من خلاله مالًا له يساعده في الثبات على موقفه الكاذب المتصدع.
أنجز ما عليه بخصوص شهادته القليلة الشأن مر بها إلى بر الانتهاء، لكن الجميع ما زالوا يظنون أنه انتهى إلى شهادة أخرى أهدت إليه لقبا لا ينفك أحدا عن مناداته به، سبب له ذلك انفصاما في شخصيته، فهو مشتت بين عمل حر لا يمت بصلة لمجاله وبين ظن من الناس أنه يعمل عملا ينتمي إلى محل دراسته المكذوب، ما زال يعيش في كذبته أنه يعمل في منصب رفيع دره عليه تفوقه وشهادته العليا، ويعمل في وقت لاحق في عمله الحر الذي اجتهد فيه حقيقة وحقق فيه نجاح واليوم بشكل أو بآخر يتبرأ منه وينتسب إلى آخر، ماذا لو عمد من البداية إلى كلام من القلب ؟ كان الوضع حتمًا يختلف.
هل بعد كل هذا يمكن لهذا الشخص مع كذبه المتواصل واهتمامه بما يحمله الناس عنه من صورة أن يعيش حياة آمنة سليمة، أم أن كذبه المتبجح يضيع عليه مثيرا من عوامل الآمان الاجتماعي والهدوء والاستقرار النفسي، كلام من القلب مع من يحب كان كفيلًا بإنهاء الموقف من البداية، لكن كذبة تلو أخرى حتما ستودي بصاحبها إلى حيث نتيجة لا تحمد عقباها أبدًا، من هنا نتعلم أن لا شيء يقوي موقفك ويجعلك غير عابيء بشيء كـ كلام من القلب .