مع اقتراب المواسم الاحتفالية، تبرز أزمة جديدة تهدد بهجة العيد وتلقي بظلالها على الأسواق العالمية، ألا وهي أزمة الكاكاو والقهوة. فقد شهدت أسعار هذين المنتجين الأساسيين ارتفاعًا حادًا في الأشهر الأخيرة، ما انعكس على الاقتصاد العالمي وأثر بشكل مباشر على المستهلكين، خاصة في الدول التي تعتمد عليهما بشكل أساسي في ثقافتها الغذائية وعاداتها اليومية. فماذا يحدث بالضبط؟ وما الأسباب التي أدت إلى هذه الأزمة؟ وما هي التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لهذا الارتفاع الجنوني في الأسعار؟
أسباب الأزمة: اضطرابات مناخية وزيادة الطلب
تعاني زراعة الكاكاو والقهوة من أزمة متعددة الأبعاد، تشمل تغيرات مناخية حادة، واضطرابات في سلاسل التوريد، وارتفاع تكاليف الإنتاج. ومن بين العوامل الأساسية التي أدت إلى هذه الأزمة:
التغيرات المناخية:
تضررت محاصيل الكاكاو في ساحل العاج وغانا، وهما الدولتان المسؤولتان عن أكثر من 60% من إنتاج الكاكاو في العالم، بسبب الأمطار الغزيرة والأمراض الفطرية التي أتلفت المحاصيل.
في المقابل، تأثرت مزارع البن في البرازيل وكولومبيا وفيتنام بسبب الجفاف الشديد والفيضانات المتكررة، ما أدى إلى انخفاض الإنتاج وزيادة الأسعار.
اضطرابات سلاسل التوريد:
لا تزال سلاسل الإمداد تعاني من التأثيرات المتبقية من جائحة كوفيد-19، إلى جانب ما يحصل في حركة التجارة من الشرق إلى الغرب، حيث تحاول الكثير من الشركات والسفن التجارية تجنب العبور من مضيق باب المندب الفاصل بين بحر العرب والبحر الأحمر، بسبب الاضطرابات المتعلقة بهجمات الحوثيين على السفن، خاصة المتوجهة إلى إسرائيل، بسبب الحرب على غزة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع تكاليف النقل والشحن، وازدياد صعوبة توصيل المواد الخام إلى الأسواق العالمية.
كما أسهمت الحروب والنزاعات، لا سيما الحرب في أوكرانيا، في ارتفاع أسعار الوقود والطاقة، مما انعكس على أسعار الإنتاج والشحن.
زيادة الطلب في الأسواق العالمية:
مع التعافي الاقتصادي بعد جائحة الكورونا، عاد الطلب على الكاكاو والقهوة للارتفاع بشكل كبير، خاصة مع ازدياد استهلاك منتجات الشوكولاتة والقهوة الفاخرة في أوروبا والولايات المتحدة والصين.
في ظل هذه الظروف، لم تتمكن المزارع الصغيرة، التي تشكل العمود الفقري لإنتاج الكاكاو والقهوة، من مواكبة الطلب، مما زاد من الفجوة بين العرض والطلب.
التداعيات الاقتصادية: أسعار ملتهبة وقلق في الأسواق
ارتفاع الأسعار العالمية
في الأشهر الأخيرة، قفزت أسعار الكاكاو إلى مستويات قياسية لم تشهدها الأسواق منذ أكثر من 40 عامًا، حيث استقر سعر الطن الواحد أعلى قليلا من 8000 دولار، وذلك بعد أن وصل إلى سعر 10000 دولار.
أما القهوة، فقد ارتفعت أسعارها بنسبة 40% تقريبًا مقارنة بالعام الماضي، ما أدى إلى زيادة أسعار المنتجات النهائية مثل القهوة الفورية والكبسولات الجاهزة.
تأثير على الشركات والمصنعين
شركات صناعة الشوكولاتة الكبرى، مثل نستله ومارس وليندت، بدأت بالإعلان عن زيادات في الأسعار أو تقليل حجم المنتجات للحفاظ على هوامش الربح.
المقاهي العالمية، مثل ستاربكس وكوستا كوفي، اضطرت إلى رفع أسعار المشروبات، مما قد يؤدي إلى انخفاض الإقبال على المقاهي وزيادة الضغوط على قطاع الضيافة.
تأثير مباشر على المستهلكين
مع قرب انتهاء شهر رمضان واقتراب عيد الفطر السعيد وأعياد الشعانين والفصح، يعتمد المستهلكون على منتجات الكاكاو والقهوة كجزء أساسي من احتفالاتهم. لكن ارتفاع الأسعار يجعل هذه المنتجات أقل توفرًا للعديد من الأسر، خاصة في الدول النامية.
في بعض الدول، مثل مصر وتركيا والبرازيل، أصبح شراء الشوكولاتة أو القهوة الفاخرة بمثابة "رفاهية" يصعب على الطبقات المتوسطة والفقيرة تحمل تكاليفها.
التداعيات الاجتماعية: كيف يؤثر ذلك على المزارعين؟
- معاناة المزارعين من الأرباح المنخفضة
رغم ارتفاع الأسعار العالمية، إلا أن المزارعين في إفريقيا وأمريكا اللاتينية لا يحصلون على نصيب عادل من هذه الأرباح، بسبب الاحتكار من قبل الشركات الكبرى والوسطاء.
لا يزال العديد من مزارعي الكاكاو والبن يعيشون في فقر مدقع، حيث يحصلون على أقل من 2 دولار يوميًا، مما يهدد استمرارهم في هذه المهنة.
- هجرة المزارعين إلى أعمال أخرى
بسبب التغيرات المناخية وضعف العوائد، بدأ العديد من المزارعين في هجرة زراعة الكاكاو والبن لصالح محاصيل أكثر ربحية أو البحث عن وظائف في المدن، مما قد يزيد الأزمة سوءًا في المستقبل.
- تفاقم مشكلة العمالة القسرية وعمالة الأطفال
مع زيادة الضغط على الإنتاج، تلجأ بعض المزارع إلى استخدام الأطفال في عمليات الحصاد، خاصة في دول مثل غانا وساحل العاج، حيث لا توجد رقابة صارمة على معايير العمل.
ما الحلول الممكنة؟
لمواجهة هذه الأزمة، يجب على الدول والشركات اتخاذ تدابير عاجلة، ومنها:
تعزيز الدعم للمزارعين من خلال تقديم حوافز مالية وتحسين ظروف العمل في المزارع.
الاستثمار في تكنولوجيا الزراعة لمساعدة المزارعين على التأقلم مع التغيرات المناخية.
فرض قوانين أكثر صرامة على الشركات لضمان حصول المزارعين على حصة عادلة من الأرباح.
البحث عن بدائل مستدامة، مثل الشوكولاتة المصنوعة من مصادر بديلة، أو تطوير أصناف جديدة من البن تتحمل التغيرات المناخية.
في هذه الظروف الاستثنائية، ينصح الخبراء كذلك بالتخطيط المسبق لشراء مستلزمات العيد وشراء المواد الأساسية بالجملة، إلى جانب البحث عن العروض في الأسواق المحلية وتقليل الكميات مع الحفاظ على الجودة. يمكن أيضًا تجربة وصفات منزلية باستخدام بدائل محلية.
ختامًا: هل ستعود بهجة العيد؟
لا شك أن أزمة الكاكاو والقهوة العالمية تُلقي بظلالها على الأسواق والمستهلكين، مما قد يجعل العيد أقل بهجة لمن اعتادوا على الاستمتاع بكوب قهوة صباحي أو قطعة شوكولاتة لذيذة. ومع استمرار ارتفاع الأسعار وعدم وجود حلول جذرية حتى الآن، يبقى السؤال مفتوحًا: هل سيصبح الكاكاو والقهوة سلعتين نادرتين لا يمكن للجميع تحمل تكلفتهما؟
الأسابيع القادمة ستكشف المزيد عن مستقبل هذه الأزمة، لكن المؤكد أن العالم بحاجة إلى تحرك سريع لتفادي تفاقم الوضع، وحماية ملايين المزارعين والمستهلكين من تداعيات كارثية قد تمتد لسنوات قادمة.