مع الاعتذار لشاعرنا العظيم محمود درويش
علَى هَذِهِ الأَرْض مَا يستحق البقاء، ولم تعد الأمهات تخبز في الفجر لنشتم رَائِحَةُ الخُبْزِ باكرًا
"أنا يمه أيام العز كنت 70 كيلو، أنا الحين صرت 40 كيلو، وبدي كرسي متحرك عشان أقدر أتحرك، بس إعمل حسابك لما تجيب الكرسي، أنه يكون على وزني الأول، عشان إذا بدخلوا مساعدات يمكن ارجع أنصح مرة أخرى". السيدة التي قالت هذا الكلام كانت تعاني من مشكلات في المشي، وتفاقمت حالتها بسبب الحرب وعدم توفر العلاج.
ما هو الشعور بالجوع؟
لم يعد الأمر يتعلق بالشعور بالجوع. ولا يريد الإنسان أن يأكل، بل الشعور بالجوع، الجوع لأن يملأ الإنسان بطنه كما يقال بالعامية، وعدم توفر الطعام بشكل يومي، وظهور ملامح الهزال والنحول وعدم القدرة على الكلام والتفكير والمشي.
وهو وسيلة التنقل. لكم أن تتخيلوا أن يبقى في البيت ثلاثة أرغفة خبز، صاج أو خبز عادي. ويفاضل الإنسان منا بين أن يأكل رغيف أو نصف رغيف او حتى ربعه أو لا يأكل، كي يوفر لباقي أفراد عائلة مكونة من 4 أفراد أو 5. فكيف سيكون الحال مع 10 أو 15 فردًا يعيشون مع بعض. ولا يتوفر الطحين ولا حتى دقة أو زعتر؟ رغيف الخبز هو الوجبة الوحيدة لغالبية الناس في غزة، والمحظوظ منا هو من تبقى في بيته دقة أو زعتر.
وعندما يقرع باب البيت بعد مغيب الشمس، كي تطلب بنت الجيران قنينة مية حلوة، ويتصبب الإنسان عرقًا من الخجل كي لا يرد البنت، وهو يقتسم القنينة وما تبقى فيها من مية حلوة في البيت.
وصمة عار
إن تصوير وسائل الإعلام للفظائع في القطاع المدمر يشكل وصمة عار أخرى على إسرائيل، في ظل الضغوط الدولية المتزايدة عليها. لا يوجد أي إشارة فيها إلى واقع الإبادة الجماعية، الجثث المشوهة للأطفال والنساء وكبار السن، وقتل الأطفال، وهم يلوحون بالأواني في نقاط التوزيع، على أمل الظفر ببضعة ملاعق من العدس والبرغل.
قد تكون الخطة العسكرية الإسرائيلية لإجبار الفلسطينيين للنزوح إلى الجنوب، وتجويعهم، وإجبارهم على الذهاب إلى مراكز مغلقة وبحماية الجيش الإسرائيلي لاستلام قطع من الخبز، ووجبة ساخنة واحدة في اليوم، لغاية تشرديهم بالقوة للهجرة وطردهم من غزة.
في مقابل تنفيذ خطتها، أغلقت إسرائيل مئات نقاط توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة وتسعى لاستبدالها بأربع نقاط. ستجبر آلاف الأشخاص على تلقي الطعام في كل نقطة. هذا الواقع التي تعمل إسرائيل على ترسيخه.
أطفال ضحايا الجوع
أطفال صغار يعانون من سوء التغذية، في صور تدمي القلب. وربما بدأ ضمير الدول الأوروبية يصحو. وربما يكون هذا من أسباب تحرك الدول الأوروبية والضغط على إسرائيل في حال لم توقف عملياتها العسكرية الجديدة وترفع القيود عن إدخال المساعدات الإنسانية، فسوف تتخذ إجراءات أخرى ملموسة ردا على ذلك.
وقد يكون ذلك أثار غضب الدول الأوروبية، التي أدركت أن هذا هو الموعد لوقف التطهير العرقي الأكبر في العصر الحديث. وفي بيانها الأول والمهم، قالت الدول الأوروبية إنّها لن تقف موقف المتفرج بينما تمضي حكومة نتنياهو في هذه الأفعال السافرة.
shutterstock
فقد أدانت الدول الأوروبية بشدة توسيع العمليات الإسرائيلية في غزة، فمستوى المعاناة الإنسانية في غزة لا يُحتمل. وإعلان إسرائيل بأنها سوف تسمح بدخول كميات أساسية فقط من المواد الغذائية إلى غزة غير مناسب نهائيا. ودعت أوروبا الحكومة الإسرائيلية إلى وقف عملياتها العسكرية في غزة، والسماح فورا بدخول المساعدات إلى غزة، وهذا يجب أن يشمل أيضا التواصل مع الأمم المتحدة لضمان العودة إلى إيصال المساعدات بموجب المبادئ الإنسانية.
يقال في إسرائيل إن التسونامي السياسي قادم، وأوروبا تشعر أنها لم تعد قادرة على الوقوف بعيدًا عن المشاهد القادمة من قطاع غزة، وأن الوضع الإنساني في غزة لا يطاق والدول الأوروبية تدعو إلى التحرك ضد الحرب، وحان الوقت للتوقف، وصور الأطفال وهم يكافحون من أجل الحصول على طبق من الأرز، والتقارير عن الجوع الحقيقي، وحقيقة أن إسرائيل لا تبذل جهودًا كافية لنقل المساعدات الإنسانية إلى غزة، لا يمكن أن تسمح لأوروبا بالوقوف مكتوفي الأيدي لفترة أطول، وتتوالى الأزمات واحدة تلو الأخرى.
يقول بعض الأكاديميين والباحثين الإسرائيليين، "لقد انطلقت الرصاصة من البندقية". "لا أحد يعلم إلى أين سيقود هذا القرار، وهذه خطوة تُفاقم تدهور وضع إسرائيل كدولة مُصابة بالجذام، تفقد بعض أصدقائها في أوروبا". وحسب قولهم، "حدث هذا التحول بسرعة، خلال الأسبوعين الماضيين، وقد يُشجع هذا القرار على موجة سياسية عارمة".
هكذا عبرت أوروبا عن موقفها من المجاعة، لكن تبقى الكلمات التي تصف الحالة بأنها كارثية والوضع لا يطاق، سخيفة، فهي لا تعبر عن الحقيقة، وطالما لم تتخذ أوروبا مواقف ملموسة وخطوات سريعة وجادة، لوقف الإبادة والتجويع والدفع باتجاه التهجير.