شهدت الساحة السياسية الإسرائيلية في الآونة الأخيرة حالة من الاضطراب واشتداد التجاذبات داخل الائتلاف الحكومي، في ظل أزمة متفاقمة تضع حكومة نتنياهو على حافة السقوط، رغم محاولات الاستمرار والمناورة لشراء الوقت وتمديد عمر الحكومة.
في قراءة تحليلية معمقة للمشهد السياسي، ضمن برنامج "أول خبر" على إذاعة الشمس، أكد د. سليم بريك، الباحث في العلوم السياسية، أن الحكومة الحالية بقيادة بنيامين نتنياهو تعيش "أزمات داخلية حقيقية".
وأضاف موضحا أن الوضع الآن حيث يجد الحريديم أنفسهم بلا خيارات واسعة لمغادرة الائتلاف أو تعطيل عمل الحكومة إلا باستخدام أدوات محدودة مثل تعطيل التصويت على القوانين أو الاستقالة من مناصب وزارية ولجان فرعية، مع بقائهم داخل التحالف بشكل أو بآخر.
"أقل من سنة وتنتهي الحكومة الحالية"
ومع ذلك، يرى د. بريك أن "حكومة بهذا الشكل لا يمكن أن تستمر طويلاً"، ويتوقع أن لا تمر سنة كاملة على بقائها.
يصف د. بريك الواقع الحالي بقوله: "نتنياهو يشتري الوقت.. هو ينتظر بعد عشرة أيام ستنتهي ولاية هذه الكنيست. سنخرج بعطلة صيفية، الحكومة تستطيع عمليا العمل بشكل أو بآخر حتى بداية الولاية القادمة".
ويستند "بريك" في تقييمه إلى أن جميع مكونات الحكومة باتت تدرك أن أي انتخابات قادمة لن تضمن ائتلافًا مماثلًا لما هو قائم الآن، ويضيّق ذلك من فرصهم وأوراق الضغط بالمستقبل.
حالة واحدة قد تستمر فيها الحكومة
ويلفت المحلل السياسي إلى أن الجانب الفاعل الوحيد في المشهد هو إيتمار بن غفير، الذي يهدد نتنياهو فعليًا، بخلاف بتسلئيل سموتريتش الذي يدرك أن خروجه من الحكومة يُعَد اعترافًا بانتهاء الحرب، ولن يكون بانتظاره مكاسب سياسية خارج الحكومة.
ويؤكد د. بريك: "لا أعتقد أن الحكومة ستسقط إذا ذهب نتنياهو لوقف إطلاق نار، ولا يوجد تنسيق حقيقي كما يظن البعض بين سموتريتش وبن غفير".
"هذه هي المعارضة الحقيقية لحكومة نتنياهو"
ويرى أن نتنياهو يُتقن إدارة الأزمات، حيث أن "لديه مجموعة تعمل بشكل منظم وتخطط له بشكل منظم جدًا.. قليلون السياسيون الذين يعرفون التعامل بهذه الطريقة"، في ظل معارضة مفككة وضعيفة "هي كنز لم ينله أي رئيس حكومة سواه"، حتى باتت اللعبة السياسية تدور داخل الائتلاف أكثر من الخارج.
ويقول مستطردا: "المعارضة الوحيدة الحقيقية هي يائير غولان.. إذا استثنينا يائير غولان لا توجد معارضة"، كما يشير إلى تراجع دور شخصيات مثل يائير لابيد وبني غانتس، مؤكدا: "المعارضة لا تقوم بأي شيء حقيقي، بل في قضايا مركزية نراها تتواطأ مع الحكومة".
جوهر الصراع السياسي الإسرائيلي
أما عن البعد الأيديولوجي للصراع السياسي الإسرائيلي، فيرى د. بريك أن "القضية ليست قضية أيديولوجية.. ما يجري الآن هو نزاع داخل اليمين، بمعنى أن الفلسطينيين ودولتهم أو تقرير المصير خارج دائرة نقاش النخب الإسرائيلية، والموضوع الفلسطيني لا يُطرح اليوم في الخطاب الرسمي".
ويضيف أن النقاش الرئيسي تغير ليصبح حول آليات السيطرة على الفلسطينيين، من حيث "هل يتم ذلك من خلال الأبارتهايد؟ أم منح حكم ذاتي؟ هذا هو جوهر الخلاف".
يتابع بريك بأن اليمين الإسرائيلي يعيش نشوة الانتصار والسيطرة ومقبل على خطوات تطبيع إضافية مع دول مثل السعودية لإعادة تكريس مكانة إسرائيل الإقليمية، مشيرًا إلى أن الانشقاقات داخل الائتلاف عميقة، لكنها غير كافية بعد لهدم الحكومة بسبب وهم وحدة المصالح بواجهة ضعف المعارضة.
ما مدى احتمالية الذهاب لانتخابات مبكرة؟
وفي ختام تحليله، يهمل بريك احتمالية الذهاب إلى انتخابات مبكرة في المدى القريب، معتبرًا أن الوضع الحالي "مفكك شكليًا لكنه متماسك بفعل غياب معارضة حقيقية قادرة على إسقاط الحكومة"، ويرى أن أي تغيير حقيقي لن يحدث إلا بوجود معارضة فعالة قادرة فعليًا على تفكيك الائتلاف وليس فقط الاكتفاء بالمراقبة وإطلاق التصريحات الإعلامية. يقول: "لا توجد معارضة حقيقية تفكك هذا الائتلاف وتقوم بما كان يجب أن تقوم به".