تشهد بلدة الطيبة شمال رام الله، ذات الغالبية المسيحية، تصاعداً خطيراً في وتيرة الاعتداءات التي ينفذها المستوطنون المتطرفون، بحسب شهادة الأب بشار فواضلة، كاهن رعية اللاتين في البلدة.
وأكد الأب بشار أن الهجمات الأخيرة اتّسمت بـ"كل أشكال التطرف: الديني، والاجتماعي، والسياسي"، موضحًا أنها بدأت تحديدًا بتاريخ 7 تموز، مع تكرار الاعتداءات يومًا بعد يوم، حيث وقع اعتداءان في السابع من تموز، واعتداء آخر في الثامن، ثم هجوم جديد في 11 تموز، قبيل الزيارة التاريخية لرؤساء الكنائس والبعثات الدبلوماسية.
وأشار الأب فواضلة إلى أن الاعتداءات لم تستهدف الكنيسة وحدها، بل شملت أيضًا المقبرة، والمنازل المجاورة، ومحاصيل الزيتون التي يعتمد عليها السكان كمورد رزق أساسي.
ووصف المشهد قائلًا: "حرم الكنيسة التاريخية أصبح ساحة اقتحام لعشرات المستوطنين الذين جلبوا الأبقار وأشعلوا النيران، وأصبحنا نكافح لإطفاء الحرائق بمشاركة كل أهل البلدة، الشيخ حميد، ورئيس البلدية"، وأضاف: "للأسف، لم نستطع فعل المزيد بسبب وجود المسلحين، والخطر الشديد على السكان".
وعن توقيت الهجمات، أوضح فواضلة أن المستوطنين كانوا "يقتحمون البلدة في الصباح والظهيرة والمساء، وأعدادهم بالعشرات، مجهزين بالبلورات لإشعال الحرائق وزيادة حدّتها".
وأكد أن استهداف المقبرة والكنيسة لم يكن صدفة، بل هو رسالة واضحة للسكان: "يريدون القول بالعربي: أنتم لستم من هنا".
ولفت الأب بشار إلى أن الاعتداءات بلغت ذروتها في 11 تموز، حين اندلعت الحرائق بجانب بيوت المواطنين على حدود الكنيسة، ما أدى إلى إحراق مساحات واسعة من الأراضي. وأشار: "هذه الهجمات المتكررة تُنفذ بلا وازع إنساني، فقط لإثبات تحدي وتثبيت الوجود بالقوة".
وتطرق الأب بشار لتفاصيل زيارة السفير الأمريكي الأخيرة، وقال إنها جاءت "مبادرة شخصية دون دعوة رسمية"، على خلفية ضغوط دولية، ليجتمع مع ممثلين عن أبناء الطيبة، وأعضاء البلدية، وبعض المعتدى عليهم، ويعاين موقع الحريق.
أوضح الكاهن أن السفير أصدر بياناً وصف فيه الاعتداءات على دور العبادة بأنها "أفعال إرهابية بحق الإنسانية وحق الله". وحول إمكانية تغيير مثل هذه الزيارات للواقع، قال الأب بشار: "نحن نرفع صوتنا ونعلن الحقيقة للجميع، لا ننوه بها ولا نغيّرها. ونطالب بدعم حقيقي لسكان الطيبة والقرى المجاورة".
أ
ما عن وضع المسيحيين في الطيبة اليوم، قال الأب بشار إن البلدة تضم ما بين 1250 و1300 مواطن، وهي "القرية المسيحية الوحيدة المتبقية في كامل فلسطين".
وتابع: "الاعتداءات لا تقتصر على الطيبة، بل تمتد إلى قرى عبود والطيرة وجفنا، وعلى أراضي عدة حول القدس وشرق طبريا والمغير، حيث ترسل مجموعات المستوطنين الرعاة والخنازير البرية لترهيب الناس والسيطرة على الأراضي الزراعية".
وعن الأثر النفسي، روى الأب بشار: "نعيش حالة رعب وهلع، خاصةً لدى أطفالنا في مخيمات الكنيسة، وأصبح اسم المستوطن وحده كافيًا لبكاء الأطفال وشعورهم بالخوف". واستطرد: "الهجرة أصبحت هاجسًا للكثيرين، ونحن نصارع يومياً لإبقاء الناس في أرضهم ومنع المزيد من النزوح".
واختتم الأب فواضلة بقوله: "ما نريده هو دعم كامل من الجميع، من المؤسسات العالمية والدبلوماسية، فلا نقف على أبواب سفير أو مسؤول، بل نطالب العالم كله بتحمل مسؤوليته لإيقاف هذه الاعتداءات ودعم صمود الفلسطينيين في الطيبة وباقي القرى".
تظهر شهادة الأب بشار فواضلة عمق الأزمة التي تعيشها الطيبة وقراها، بين التهجير الممنهج والهجمات على الرموز الدينية والممتلكات، ومخاوف مستمرة على الوجود المسيحي في فلسطين، في ظل استمرار سياسة الاستهداف والتضييق من قبل المستوطنين، وصمت المجتمع الدولي عن جرائم متزايدة بحق الأرض والإنسان والتراث في المنطقة.