تتصاعد المخاوف في المملكة المتحدة بشأن تجارة الرفات البشرية، التي تتم في سوق غامضة تقدر بملايين الجنيهات، وسط ثغرات قانونية تجعلها منطقة رمادية يصعب ضبطها.
وبينما يُجرم القانون البريطاني تدنيس القبور، إلا أن بيع الجماجم والعظام لا يعد جريمة صريحة، ما سمح لهذه التجارة بالنمو عبر الإنترنت والمتاجر المتخصصة، وأثار موجة انتقادات واسعة من الخبراء والبرلمان والمجتمع المدني.
ثغرات قانونية في التعامل مع الرفات
ويؤكد خبراء القانون أن البقايا البشرية ليست "ملكاً" قانونياً، وبالتالي لا يمكن اعتبار بيعها أو حيازتها جريمة، حتى لو استخرجت بطريقة غير قانونية.
هذا الوضع أثار قلق شخصيات بارزة مثل عالمة الطب الشرعي سو بلاك، التي دعت إلى إجراءات صارمة ضد هذه التجارة لحماية كرامة الموتى.
القانون البريطاني للأعضاء والأنسجة البشرية الصادر عام 2004 يفرض رقابة صارمة على الأعضاء الحديثة والعينات المستخدمة في الأبحاث الطبية، لكنه يطبق فقط على الرفات التي يقل عمرها عن 100 عام، ما يترك فراغاً قانونياً يسمح بانتعاش السوق السوداء.
متاجر غريبة وسوق "الغرائب"
في مدينة إسيكس، يدير هنري سكراج متجراً يعرف باسم "فيفث كورنر" يعرض جماجم بشرية، أجزاء محنطة، ورؤوساً مصغرة. ويقدم الموقع أيضاً خدمة اشتراك شهري ترسل من خلالها الجماجم إلى الزبائن.
صور هذا المتجر، التي وصفتها صحيفة "الغارديان"، أظهرت مشهداً صادماً: جنين محفوظ في جرة طبية، جماجم مصطفة على الرفوف، وهيكل لحيوان هجين، ما جعل السوق أشبه بزاوية من "قصص الرعب الفيكتورية".
تزايد المبيعات عبر الإنترنت
تشير تقارير أكاديمية إلى أن السنوات الأخيرة شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في بيع الرفات البشرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومنتديات إلكترونية.
الجمعية البريطانية للأنثروبولوجيا البيولوجية أوقفت أكثر من 200 عملية بيع خلال خمس سنوات.
بعض الجماجم بيعت بأسعار تراوحت بين 795 و995 جنيهاً إسترلينياً.
خبراء الطب الشرعي رجحوا أن بعض هذه الجماجم حديثة الاستخراج من مقابر قديمة، وليست كلها معروضات طبية قديمة.
تحركات برلمانية لتشديد القوانين
في مارس الماضي، ناقش البرلمان البريطاني توصيات تطالب بـ حظر بيع وعرض الرفات البشرية في المتاحف ودور المزادات. التقرير البرلماني الأخير قدم 14 توصية، أبرزها:
تجريم بيع البقايا البشرية.
تعديل قانون الأنسجة البشرية ليشمل رفات تعود لأكثر من 100 عام.
وقف عرض المومياوات المصرية وغيرها من رفات الأجداد التي جلبت في الحقبة الاستعمارية.
هذا الطرح أثار جدلاً واسعاً، إذ اعتبر خبراء أن عرض المومياوات في المتاحف "إساءة صريحة"، مطالبين بإعادتها إلى بلدانها الأصلية.
انتقادات واسعة ومخاوف حقوقية
أستاذة القانون في جامعة ليدز، إيموجين جونز، وصفت الوضع الحالي بأنه "فراغ قانوني"، مؤكدة أن القوانين لا تعكس التوقع العام بضرورة معاملة الجثث بمستوى من الاحترام.
من جانبه، قال السياسي البريطاني بول بواتينغ إن استمرار هذه التجارة يمثل "عاراً على بريطانيا"، مطالباً الحكومة بالتحرك لتقييد الاتجار بالرفات البشرية، خصوصاً بقايا أسلاف السكان الأصليين.
وتؤكد وزارة الثقافة والإعلام البريطانية ضرورة معاملة جميع الرفات البشرية باحترام وكرامة، وتشدد على أهمية أن تدقق دور المزادات في مصادر معروضاتها.
لكن حتى الآن، تبقى السوق السوداء للرفات البشرية قائمة، مدفوعة بالثغرات القانونية والفضول البشري، ما يجعلها قضية أخلاقية وقانونية ملحة تفرض على بريطانيا مواجهة صريحة.
طالع أيضًا
تاريخية ومذهلة| اكتشف أقدم 9 مقابر حول العالم