يرى البروفيسور محمد وتد، رئيس كلية رمات غان ومختص القانون الدستوري، أن ما جرى في قرار المحكمة بشأن قضية المدعية العسكرية لا يمكن اعتباره مجرد حالة عابرة، بل جزء من مسار أوسع تتبعه المحكمة العليا في السنوات الأخيرة، يتجسد في ما وصفه بـ "الدبلوماسية القضائية".
وأضاف في مداخلة هاتفية ضمن برنامج "يوم جديد"، على إذاعة الشمس، أن المحكمة تحاول في هذا المسار تجنّب الدخول في صدام مباشر مع المستوى السياسي، خاصة مع ضغط وزير القضاء، وهو ما قد يحمل جوانب إيجابية من حيث الامتصاص والتهدئة، لكنه يحمل أيضًا مخاطر كبيرة تتعلق بمكانة المحكمة أمام الجمهور ومدى الإيمان باستقلاليتها.
وتابع: "قراءة قرار المحكمة تكشف ما يشبه الرقص بين النقاط، إذ تمنح المحكمة الصلاحية من جهة، لكنها تضع قيودًا ومعايير من جهة أخرى، ثم تفتح الباب للاتفاق بين الأطراف حتى لو تجاوز تلك المعايير".
ويرى وتد أن هذا النهج يرسل "رسالة مقلقة" مفادها أن القواعد الدستورية يمكن الالتفاف عليها وفق الظروف السياسية.
وقال إن النهج الحالي يضعف مكانة النيابة العامة والاستشارة القضائية للحكومة، حتى لو حاولت المحكمة الإشادة بأدائها في نص القرار.
وأوضح:
"الاستثناءات التي تُصنّف على أنها نادرة أصبحت أكثر تكرارًا في العامين الأخيرين، ما يجعلها تتحول تدريجيًا إلى قاعدة، فيما تصبح القاعدة نفسها استثناءً".
وقال إن المحكمة، عبر تجنب المواجهة، قد تكون تراهن على الزمن، معتبرة أنه إذا لم يكن بالإمكان تحقيق التوازن اليوم مع الحكومة والجيش الإسرائيلي، فقد يمكن تحقيقه مستقبلًا.
لكنه يرى أن هناك قرارات يصعب إصلاح آثارها لاحقًا، وأن المسار الحالي قد يؤدي إلى تفكيك تدريجي لوظيفة الاستشارة القضائية.
وأشار وتد إلى أن القرار الأخير قد يفتح الباب أمام موجة من طلبات التنحي لكل المستشارين القضائيين عن القضايا التي يعملون عليها، وهو ما قد يشكّل ضربة خطيرة لبنية السلطة القضائية.
كما حذر من أن المستوى السياسي قد يستغل القرار لتعيين محققين ووكلاء خاصين في ملفات محددة، بصورة تُبقي الأجهزة الرسمية في موقع شك دائم.
وأكد أن ما حدث ليس حدثًا قانونيًا تقنيًا، بل نقطة مفصلية في الصراع الدستوري القائم منذ سنوات، وأن نتائجه قد تظهر في الفترة القريبة.