صحة وعائلة
yandex

وسواس المرض: أعراضه وكيفية التغلب عليه

تخيل أن كل نغزة، كل ألم طفيف، وكل تهيج طفيف يتحول إلى مصدر قلق هائل، يكاد يبتلع كل تفكيرك ويشوش حياتك اليومية.


هذا هو عالم وسواس المرض، حيث يتجاوز القلق حدود المنطق ليصبح هوسًا يقود إلى الشكوك المستمرة والتفتيش الدائم عن علامات المرض.


و في هذا العالم، تندمج الحقيقة مع الوهم، وتتحول أبسط الأعراض إلى تهديدات خطيرة قد تقلب حياة الفرد رأسًا على عقب.


ولكن ما الذي يجعل هذا الاضطراب قاسيًا للغاية؟ وكيف يمكن لمجرد فكرة أن تكون مصدرًا لمثل هذا الألم والاضطراب؟


ما هو وسواس المرض (توهم المرض)؟


وسواس المرض، المعروف أيضًا بتوهم المرض أو المراق، هو اضطراب نفسي يندرج تحت فئة اضطرابات القلق.


وفي هذا الاضطراب، يتملك الفرد اعتقاد راسخ بأنه مصاب بمرض خطير يهدد حياته، على الرغم من عدم وجود أعراض ملحوظة أو حتى ظهور أعراض طفيفة فقط.


وحتى عند تلقي نتائج فحوصات طبية تؤكد سلامته، يظل الشخص غارقًا في هذه الوساوس والأوهام.


بينما يعتبر الشعور ببعض القلق حيال الصحة أمرًا طبيعيًا، فإن توهم المرض يتجاوز هذه المشاعر ليصبح قلقًا وخوفًا دائمين يعوقان قدرة الفرد على ممارسة حياته اليومية بشكل طبيعي.


مؤخراً، أطلق على هذا الاضطراب اسم "اضطراب قلق المرض" (بالإنجليزية: Illness Anxiety Disorder) وفقًا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، الإصدار الخامس.


ما الفرق بين اضطراب قلق المرض واضطراب العرض الجسدي؟


يُعتبر اضطراب العرض الجسدي (بالإنجليزية: Somatic Symptom Disorder) و اضطراب قلق المرض (بالإنجليزية: Illness Anxiety Disorder) مرتبطين، إذ يعاني الأفراد في كلا الحالتين من قلق بشأن صحتهم وتوهم بإصابتهم بأمراض. ومع ذلك، هناك اختلاف جوهري بين الاضطرابين:


1- اضطراب العرض الجسدي: في هذا الاضطراب، يواجه الشخص أعراضًا جسدية مزعجة، وهذه الأعراض تكون أكثر حدة مما يتوقعه الشخص بناءً على وساوسه.


بمعنى آخر، قد يعاني الفرد من أعراض جسدية فعلية لا تتناسب مع مدى القلق الذي يشعر به.


2- اضطراب قلق المرض: في هذا الاضطراب، لا يعاني الشخص من أعراض جسدية ملحوظة أو قد تكون الأعراض خفيفة جدًا.


التركيز هنا يكون على خوف مبالغ فيه من الإصابة بمرض خطير، حتى عندما تكون الفحوصات الطبية سلبية ولا تشير إلى أي مشكلة صحية.


أسباب توهم المرض؟


يمكن أن يظهر وسواس المرض في أي مرحلة عمرية، لكنه غالبًا ما يبدأ بين سن 25 و35 عامًا، وقد يتفاقم مع التقدم في العمر.


وبالنسبة لكبار السن، قد يركز توهم المرض بشكل خاص على مخاوف تتعلق بفقدان الذاكرة.


وعلى الرغم من عدم تحديد أسباب توهم المرض بدقة حتى الآن، إلا أن هناك عدة عوامل قد تسهم في الإصابة به، منها:


1- تفسير غير صحيح لوظائف الجسم: سوء فهم بعض الأعراض الطفيفة نتيجة قلة المعرفة بطبيعة الأمراض وأعراضها يمكن أن يؤدي إلى القلق المفرط.


2- تاريخ من الإصابة بمرض خطير: التجارب السابقة مع الأمراض الجادة قد تترك أثرًا نفسيًا يدفع الشخص للشعور بالقلق المبالغ فيه من تكرار التجربة.


3- تاريخ عائلي من الإصابة بوسواس المرض أو أمراض مزمنة: وجود تاريخ عائلي من هذا النوع من الوسواس أو الأمراض الخطيرة يمكن أن يزيد من احتمالية الإصابة.


4- التقدم في العمر: مع تقدم العمر، قد يزداد القلق بشأن الصحة، مما يسهم في ظهور وسواس المرض.


5- وجود اضطرابات نفسية: مثل القلق، الاكتئاب، الذهان، أو اضطراب الوسواس القهري، يمكن أن تكون عوامل مساعدة في ظهور الوسواس.


6- التعرض لصدمة نفسية: مثل سوء المعاملة، الإهمال، أو العنف في مرحلة الطفولة قد يكون له تأثير طويل الأمد على الصحة النفسية.


7- مواجهة ضغوط نفسية شديدة: مثل وفاة أحد أفراد الأسرة، يمكن أن تؤدي إلى زيادة القلق والوسواس بشأن الصحة. 


ما هي أعراض وسواس المرض؟


تتمحور أعراض وسواس المرض حول شعور الشخص بقلق شديد نتيجة اعتقاده بأنه يعاني من مرض خطير أو أنه قد يصاب به في المستقبل، أو استجابة مبالغ فيها تجاه مرض يعاني منه مقارنة بخطورته الفعلية.


تتجلى أعراض توهم المرض في عدة مظاهر، منها:


1- القلق المفرط بشأن الصحة: يظهر هذا في سلوكيات مثل تجنب الأماكن العامة أو تقليل التفاعل الاجتماعي خوفًا من الإصابة بالأمراض.


2- الخوف المبالغ فيه من وظائف الجسم الطبيعية: مثل ضربات القلب أو حركة الأمعاء، حيث يعتقد الشخص أنها علامات على حالات طبية خطيرة.


3- القلق من أي أعراض طفيفة: مثل سيلان الأنف، إذ يتفاعل الشخص بشكل مبالغ فيه مع أي تغيير طفيف في صحته.


4- فحص الجسم بشكل متكرر: مثل قياس ضغط الدم أو درجة الحرارة بشكل مفرط بحثًا عن أي علامات قد تشير إلى وجود مرض.


5- التحدث المفرط عن الصحة: حيث يكرر الشخص الحديث مع الآخرين عن مخاوفه الصحية ويبحث عن تأكيدات حول صحته.


6- قضاء وقت طويل في البحث على الإنترنت: للقراءة عن الأمراض وأعراضها، مما يعزز القلق.


7- زيارة الأطباء بشكل متكرر: حيث يرفض الشخص تصديق نتائج الفحوصات التي تؤكد سلامته ويستمر في البحث عن أطباء آخرين، أو قد 8يتجنب زيارة الطبيب خوفًا من الحصول على تشخيص مرضي خطير.


أبرز طرق العلاج


يعتمد اختيار طريقة علاج وسواس المرض على عدة عوامل، أبرزها شدة الحالة.


غالبًا ما يتم علاج توهم المرض باستخدام العلاج النفسي أو العلاج بالكلام، وفي بعض الحالات قد يكون من الضروري استخدام الأدوية بجانب العلاج النفسي.


1- العلاج النفسي


تتعدد أساليب العلاج النفسي المستخدمة في معالجة اضطراب قلق المرض، ومن أبرزها العلاج السلوكي المعرفي.


هذا النوع من العلاج يركز على تغيير أنماط التفكير ومساعدة الشخص على التغلب على الوساوس المرتبطة بتوهم المرض وسلوكياته المرتبطة.


تشمل مكونات العلاج السلوكي المعرفي:


1- تحديد الأفكار والمعتقدات: تحليل الأفكار الكامنة التي تؤدي إلى القلق المفرط من المرض، والعمل على تعديلها واستبدالها بأفكار إيجابية.


2- تعلم إدارة الأعراض: كيفية التعامل مع الأعراض والقلق بطرق صحية، بدلاً من اللجوء إلى سلوكيات مثل الفحص المتكرر للجسم.


3- تدريب تقنيات الاسترخاء: تعلم أساليب لتقليل التوتر الذي قد يساهم في زيادة القلق.


2- العلاج الدوائي


لا توجد أدوية مخصصة مباشرة لعلاج توهم المرض، ولكن قد يستخدم الأطباء أدوية تساعد في تقليل القلق وتعزيز الاسترخاء.


مضادات الاكتئاب هي من أكثر الأدوية شيوعًا في هذا السياق، مثل:


1- الفلوكستين (Fluoxetine)


2- الدولوكستين (Duloxetine)


تساهم هذه الأدوية في تقليل الأعراض المرتبطة بالقلق، مما يساعد الشخص على التكيف بشكل أفضل مع العلاجات النفسية.


نصائح للتعايش مع توهم المرض


1- تعتبر بعض الاستراتيجيات بجانب العلاج أساسًا في تخفيف مشاعر القلق المرتبطة بتوهم المرض، ومن بين هذه النصائح:


2- تجنب الضغوط النفسية: حاول تقليل مصادر التوتر قدر الإمكان، لأن الضغوط يمكن أن تزيد من حدة القلق.


3- ممارسة تقنيات الاسترخاء: استخدم تقنيات مثل استرخاء العضلات التدريجي والتنفس العميق للحد من التوتر.


4- إشغال الذهن: ابحث عن أنشطة ممتعة مثل القراءة أو القيام بنزهة لتهدئة التفكير والتركيز على جوانب إيجابية في حياتك.


5- ممارسة التأمل الواعي: يساعد التأمل الواعي في فهم الأحاسيس الطبيعية وتفريقها عن الأعراض المرضية الحقيقية، مما يعزز من إدراكك لجسمك.


6- تجنب قراءة مقالات طبية مفرطة على الإنترنت: القراءة المستمرة عن الأمراض قد تزيد من القلق والتوتر.


حاول تقليل الوقت الذي تقضيه في البحث عن المعلومات الطبية.


7- اتباع نظام غذائي صحي: تناول طعام متوازن يمكن أن يؤثر بشكل إيجابي على صحتك العامة ورفاهيتك النفسية.


8- ممارسة الرياضة بانتظام: النشاط البدني يعزز من الصحة النفسية والجسدية، ويساعد في تقليل التوتر والقلق.


9- الاهتمام بالنوم: الحصول على قسط كافٍ من النوم يعزز من قدرتك على التعامل مع التوتر والقلق.


10- الانضمام إلى مجموعات الدعم النفسي: يمكن أن يكون التحدث مع أشخاص يمرون بتجارب مشابهة مفيدًا في الشعور بالدعم وتبادل الاستراتيجيات.


مضاعفات وسواس المرض


قد يتسبب وسواس المرض في ظهور مضاعفات في بعض الحالات، منها:


1- تأثير على الأنشطة اليومية: قد يؤثر الوسواس على قدرة الشخص على القيام بالأنشطة الروتينية مثل الذهاب إلى المدرسة أو العمل.


2- التعرض للآثار الجانبية للفحوصات: قد يضطر الشخص لإجراء العديد من الفحوصات والاختبارات بحثًا عن الأمراض، مما قد يؤدي إلى آثار جانبية محتملة.


3- الإصابة بالاكتئاب أو اضطراب الهلع: يمكن أن يتسبب الوسواس في تطور حالات نفسية أخرى مثل الاكتئاب أو اضطراب الهلع.


4- الاعتماد على الأدوية: قد يؤدي الوسواس إلى الإفراط في استخدام الأدوية الموصوفة أو المهدئات والمسكنات.


طالع أيضًا

ما هو الوسواس القهري وكيف يجب التعامل معه؟

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

0

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الشمس" وانما تعبر عن رأي اصحابها.