درب الآلام في المجتمع العربي في إسرائيل: بين صليب العنف وغياب الخلاص

Shutterstock

Shutterstock

في قلب البلدة القديمة في القدس، يمتد "درب الآلام" حيث يُروى أن المسيح سار مثقلًا بصليبه، متألمًا من الجروح، والخذلان، والظلم. وعلى هذا الطريق، وقعت ثلاث عشرة محطة من العذاب قبل أن يصل إلى المحطة الرابعة عشرة: الدفن.. ثم القيامة من بعده.


يسلك المجتمع العربي في إسرائيل اليوم، دربًا طويلًا مشابهًا، إلا أنه يفتقر إلى محطة القيامة، فكل يوم، يُصلب "مواطن عربي" على مذبح الجريمة والعنف، بينما تسود حالة من العجز، واللامبالاة، والخذلان المؤسساتي. دربنا اليوم طويل ومؤلم، يمر عبر أحياء تئن تحت وطأة السلاح، ومدن بات الخوف فيها رفيقًا دائمًا للناس، ولا نهاية في الأفق.



العنف في المجتمع العربي: أزمة وجود لا ظاهرة عابرة


لقد تحولت الجريمة المنظمة والعنف في المجتمع العربي داخل إسرائيل من كونها حالات استثنائية إلى واقع يومي مألوف. تُقتل النساء، ويُغتال الشباب، وتُهدد العائلات وتهاجر، بينما تخرج الجنازات دون توقف. عامٌ بعد عام، تُسجل الأرقام تصاعدًا مرعبًا في عدد الضحايا، حتى باتت أخبار القتل جزءًا من الروتين الإعلامي ولا تشكل عنوانا الا اذا اصبح القتل أكثر شراسة مع وجود أكثر من ضحية، فالقتل العادي لا يحرك المشاعر والرقم 76 قتيلا (حتى إعداد التقرير ولا التزم بالعدد) اصبح عاديا.


الأسباب متعددة، ولكن النتيجة واحدة: انعدام الأمن الشخصي،المواطن العربي يشعر أنه مستهدف من الداخل والخارج، فلا الحارة آمنة، ولا البيت حصن، ولا الدولة تُبدي نية حقيقية بحمايته، ويصبح صاحب السلاح والنفوذ هو الحامي وهو طوق النجاة، الم يهتف الناس لبيلاطس أطلق سراح باراباس واصلب المسيح؟


شعور عارم بالعجز: إلى متى ننتظر الخلاص؟


ما يزيد الطين بلة هو الإحساس الجمعي بالعجز. الناس تسأل: ماذا نفعل؟ من نناشد؟ إلى أين نلجأ؟


الشرطة الإسرائيلية، رغم كل إمكانياتها، لا تقدم الحماية الكافية، بل تُتهم مرارًا وتكرارًا بالتقاعس المتعمد، أو حتى بغضّ الطرف عن الجريمة. كثير من الملفات تقيّد "ضد مجهول"، وكأن دماءنا لا تستحق العدالة، والسؤال من يتعاون مع من؟ ومن يتعاون على من؟ يصبح الشماعة التي تغطي العجز والخذلان.


هذا العجز يتحول إلى يأس، واليأس إلى غضب داخلي، والغضب إلى تفكك مجتمعي، وحين يغيب الأمل، تنشط الجريمة أكثر، في دورة جهنمية يبدو الخروج منها مستحيلًا لأن إمكانية التغيير تبدو شاقة ومؤلمة.




غياب الأفق: لا خطط ولا حلول شاملة


رغم الأصوات الكثيرة التي ترتفع من لجان شعبية، وأعضاء كنيست، ومؤسسات مجتمع مدني، لا يزال غياب الحلول الجذرية واضحًا. الحكومة الإسرائيلية تكتفي بإعلانات إعلامية عن "خطط لمكافحة العنف"، ولكن التنفيذ على الأرض هشّ، ومحدود، ويخضع لاعتبارات سياسية.


لا توجد خطط فعلية لإعادة بناء الثقة بين الشرطة والمواطن العربي. لا توجد استثمارات حقيقية في التعليم، والفرص، وتمكين الشباب. هناك فقط معالجات سطحية، بينما النار تشتعل في العمق.


وسائل الضغط: بين العجز الشعبي والتجاهل الرسمي


ما مدى قدرة المجتمع العربي على الضغط لتغيير هذا الواقع؟

للأسف، ما زالت الوسائل محدودة. الاحتجاجات الشعبية تُقابل بالتجاهل، أو تقمع أحيانًا. الخطاب السياسي العربي داخل الكنيست يُهمّش، ويُتهم بالتحريض إن طالب بحق المواطن بالأمن.


بعض الحراكات بدأت تُنظم مسيرات، وإضرابات، وحتى لِجان شعبية للتعامل مع الظاهرة. لكن التأثير لا يزال بعيدًا عن إحداث ضغط حقيقي. بل إن البعض بدأ يفقد الثقة بالأساليب التقليدية، ويشعر أن الدولة تتعمد ترك المجتمع العربي يغرق في هذا المستنقع.


صلب يومي بلا قيامة


نحن لا نعيش فقط درب آلام، بل صلبًا يوميًا على مرأى الجميع. كل ضحية جديدة هي مسمار في جسد مجتمع يحاول البقاء حيًا. لكن على عكس المسيح الذي قام بعد ثلاثة أيام، لا تلوح في الأفق قيامة لنا.

الضوء الوحيد ربما هو في وحدة الناس، ووعيهم المتزايد بأنّ الخلاص لا يأتي من فوق، بل يصنعه الناس على الأرض: عبر تنظيم المجتمع، ومحاربة الفساد الداخلي، وبناء الثقة من جديد، ومواصلة الضغط دون توقف.


هل من خلاص؟

نعم، الخلاص ممكن، لكنه ليس سهلًا. يبدأ من:


  • مواجهة داخلية للمشاكل المجتمعية حتى داخل كل بيت
  • تعزيز التربية المدنية والقيم الجماعية وهذا واجبنا جميعا
  • بناء مؤسسات مستقلة قوية ومؤثرة وهذا جزء من مسؤولية القيادة
  • مواصلة النضال السياسي والإعلامي محليًا ودوليًا.
  • التأثير السياسي من خلال الانتخابات، محليا باختيار من يستطيع ان يقود "البلد" بمسؤولية وحكمة لصونها وليس لنهبها.
  • وقطريا في إدراك اللعبة السياسية بمفاتيحها الصحيحة بعيدا عن الشعارات الشعبوية.. نعم ما زلنا في حالة حصار ونفوذنا محدود جدا ولكن حتى "مساحة الهامش" مهمة واللعب في الأجنحة وارد ومؤثر.


حتى اللص على يمين صليب المسيح حظي بالخلاص لأنه أدرك أين أخطأ واعترف بذلك ولم يكابر كما من كان على يساره، وكذلك قائد المائة الذي أشرف على عملية الصلب اعترف بالظلم، وأدرك من هو المصلوب.

وإن تنصل بيلاطس في حينه من المسؤولية بغسل يديه، فبيلاطس الآن متورط حتى النخاع ولكن هل بأدواتنا السياسية نستطيع ان نؤثر على هوية بيلاطس القادم أم أنّ الآوان قد فات؟


"لا يمكن للمجتمع أن يبقى صامتًا أمام صلبه. فالخوف إذا استمر، سيُصبح عاديًا، وستصبح الجريمة قدرًا لا يمكن تغييره"


في القدس انتهى درب الآلام بقيامةٍ غيّرت وجه التاريخ. أما نحن، فما زلنا نُساق كل يوم إلى جلجلتنا، نحمل صليب العنف على أكتافنا، ونمشي بلا حماية، بلا عدالة، بلا أفق.

لكن طالما أن هناك قلمًا يكتب، وأمًا تبكي، وشابًا يرفض الاستسلام، فإننا لم نُصلب بعد… بل لا زلنا نحاول أن نصل إلى قيامة، مهما تأخرت لكي نخرج من درب الآلام.. وكل عام وانتم بالف خير.

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

phone Icon

احصل على تطبيق اذاعة الشمس وكن على
إطلاع دائم بالأخبار أولاً بأول