الاعتقالات الإدارية بحق المواطنين العرب في البلاد، هي قضية مثيرة للجدل وتُعتبر من أكثر المواضيع حساسية في السياق السياسي والحقوقي في البلاد.
بعد اندلاع الحرب في السابع من اكتوبر 2023، تصاعدت وتيرة الاعتقالات الإدارية بحق العرب، كان آخرها القيادي في حركة "أبناء البلد" رجا اغبارية من مدينة أم الفحم.
وتشير مصادر حقوقية بأن العشرات من المواطنين العرب في البلاد يقبعون رهن الاعتقال الإداري في السجون الاسرائيلية.
أداة قمع قديمة-جديدة
والاعتقال الإداري هو إجراء يسمح للسلطات الأمنية باحتجاز شخص دون توجيه تهم رسمية له، ولا حتّى محاكمة، وذلك بناءً على ملف سري تدّعي السلطات أنه يحتوي على معلومات أمنية تُثبت أن الشخص يشكّل "تهديدًا للأمن"، ويمكن تجديد أمر الاعتقال كل فترة، وغالبًا ما يكون التجديد لفترات مفتوحة.
لطالما وصف الفلسطينيون الاعتقالات الإدارية بالاجراء الانتقامي، فاسرائيل ورثتها عن الانتداب البريطاني لفلسطين بين الأعوام 1920 و1948. وفي عام 1945 اعتقلت سلطات الانتداب البريطاني فلسطينيين وحولتهم إلى الاعتقال الإداري لعدم وجود أدلة كافية تثبت التهم الموجه إليهم، مستندة إلى قانون الطوارئ، الذي ورثته اسرائيل عنها ايضًا.
ومنذ سيطرتها على الضفة الغربية وقطاع غزة وشرقي القدس في حرب 5 يونيو/ حزيران 1967، أو مايُعرف بالنكسة، بدأت إسرائيل استخدام هذه العقوبة، المحظورة في القانون الدولي.
عقوبات للعرب فقط
رغم أن الاعتقال الإداري يُستخدم بالأساس ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، إلا أنه في حالات معيّنة طُبِّق ضد مواطنين عرب داخل إسرائيل.
تاريخيًا، استخدمت السلطات الإسرائيلية هذا النوع من الاعتقال ضد نشطاء سياسيين أو دينيين، خاصة أولئك المتهمين بدعم أو الانتماء لحركات تعتبرها إسرائيل "محظورة" مثل الحركة الإسلامية - الجناح الشمالي.
تم تبرير بعض الاعتقالات بأن المعتقل يشكّل خطرًا أمنيًا، لكن دون تقديم أدلة علنية أو السماح للمعتقل أو لمحاميه بالاطلاع على الملفات، فيما اعتبر ناشطون وسياسيون الاعتقالات الادارية آداة قمع قديمة-جديدة تستخدمها السلطات الاسرائيلية للملاحقة السياسية وتعزيز سياسة تكميم الأفواه والأصوات المعارضة للسياسات الاسرائيلية خاصة الاستيطانية.
حكم عسكري غير مُعلن
منذ السّابع من أكتوبر 2023، وبعد أن شنّت حركة"حماس" هجومًا برّيا مفاجئًا تزامنًا مع إطلاق مئات الصليات الصاروخية على ما يعرف بمستوطنات غلاف غزة، يعيش العرب في البلاد واقعًا سياسيًا جديدًا يهمن عليه الخوف بفعل سياسات الترهيب التي اتّبعتها السلطات الإسرائيلية منذ اليوم الأول للحرب.
فمع بداية الحرب، قررت السلطات ان تضرب "بيد من حديد"، ومنعت كافة التظاهرات المناهضة للحرب، اعتقلت القيادات السياسية، واعتقلت مئات المواطنين بسبب كتابة منشورات على منصّات التواصل الاجتماعي، إضافة إلى فصل مئات الطلاب من الجامعات والكليات، بل وصل الحد باعتقال أشخاص بسبب نشرهم آيات قرآنية، حتى من أراد إبداء التعاطف مع أبناء شعبه من غزة، ولو كانوا من الأطفال، كان سيكون مصيره "حافلة ستنقله إلى غزة" وفقُا لتعبير المفتّش العام للشرطة الإسرائيلية، كوبي شابتاي، ما نتج عنه حالة من الصمت واللا-فعل السياسي بسبب تلاشي الحدود بين ما هو مسموح قوله أو ممنوع والعيش في مرحلة اللا-قانون.
بالتوازي مع قمع الحقوق والحريات كحرية التعبير والتظاهر بشكل جارف، تصاعدت وتيرة الاعتقالات الإدارية كجزء من الرزمة القمعية الكاملة، إضافة الى اصدار رخص للسلاح وتسليح عشرات الالاف من المواطنين اليهود كجزء من سياسة وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير الذي اعتبرها مهمة وطنية.
وعليه بات من عاش فترة الحكم العسكري يستذكر تلك الأيام وكم كانت شبيهة بالتي نعيشها اليوم، لكن بدون حاكم عسكري واحد، فالشعب الإسرائيلي برمته اصبح الحاكم العسكري، وكأن بإمكان كل شخص أن يأخذ القانون بيديه.
انتقادات لاذعة
طالت هذه الاعتقالات انتقادات لاذعة من قبل منظمات حقوقية مرموقة منظمات مثل "هيومن رايتس ووتش" و"بتسيلم وعدالة". فمن وجهة نظرهم، يعد الإعتقال الإداري انتهاكًا لحقوق الإنسان، خصوصًا حق الشخص في محاكمة عادلة ومعرفة التهم الموجهة إليه.
يقف اليوم العرب في البلاد عند مفترق طرق خطير بالنسبة لوجودهم السياسي، كما المنطقة كلها التي تواجه تحديات كبيرة وتقسيمات جديدة وحروب لا متناهية بأوجه عديدة، تستوجب التفكير الجماعي للتصدّي للسياسات القمعية الجائرة الحالية والقادمة، فالاعتقال الإداري يُعتبر ممارسة مثيرة للجدل، لا سيما عندما يُستخدم ضد مواطنين ، حيث يواجه انتقادات قانونية وأخلاقية واسعة ولا يزال هذا الموضوع مطروحًا بقوة في النقاش العام.