يشهد المجتمع العربي داخل إسرائيل، حالة من تصاعد العنف وارتفاع عدد الضحايا والمصابين، حيث ارتفعت حصيلة ضحايا جرائم القتل بالداخل منذ مطلع العام إلى 217 قتيلًا.
وحول سبل التعامل مع العنف والجريمة في ظل تراجع الثقة الشعبية في المؤسسات السياسية والأمنية، شهدت حلقة برنامج "أول خبر" نقاشًا موسعًا شارك فيه د. نهاد علي، رئيس قسم التعددية الحضارية بكلية الجليل الغربي ورئيس قسم المجتمع العربي بمؤسسة "صموئيل نئمان" في معهد التخنيون، وأمجد شبيطة، سكرتير الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة.
استهل د. نهاد علي حديثه بالإشارة إلى أن حالة الإحباط واليأس التي تسود الشارع العربي لم تأتِ من فراغ، بل هي نتيجة تراكمات طويلة من التجاهل الرسمي وغياب الحماية الأمنية.
وقال: "منذ السابع من أكتوبر شهدنا تراجعًا في كل أشكال النشاط المدني. الناس فقدت الثقة في القيادات، وفي جدوى المظاهرات التي لم تحقق أي نتيجة ملموسة".
47% من المواطنين العرب لا يثقون بقياداتهم السياسية
وأضاف أن الأبحاث الأخيرة التي أجرتها مؤسسة "صموئيل نئمان" أظهرت أن 47% من المواطنين العرب لا يثقون بقياداتهم السياسية، وأن 74% من المجتمع الإسرائيلي يؤيدون تهجير العرب جزئيًا أو كليًا، وهو ما وصفه بأنه "نتيجة خطيرة تهدد أي إمكانية للتعايش المدني".
وأكد أن المشكلة لا تكمن فقط في غياب الحلول الأمنية، بل في ضعف المنظومة الاجتماعية التي تسمح بتفشي الجريمة، قائلاً: "من غير المنطقي أن نتحدث عن الأمن دون أن نعالج جذور المشكلة مثل الفقر، والتسرب المدرسي، وغياب فرص العمل، والإقصاء من دوائر صنع القرار".
البوابة الأولى للعنف المنظم
وأشار إلى أن العديد من السلطات المحلية العربية "لا تعمل بشكل منظم على مكافحة ظواهر مثل تسرب الطلاب أو غياب الأطر التربوية الداعمة، رغم أن هذه القضايا هي البوابة الأولى للعنف المنظم".
أما أمجد شبيطة فاعتبر أن ما يمر به المجتمع العربي اليوم هو "لحظة مفصلية"، مؤكدًا أن الحل لا يكون بالانتظار وإنما بالتحرك المنظم، وقال: "نحن أمام فرصة بعد انتهاء الحرب، فالعنف يزداد ولكن في الوقت نفسه هناك فراغ سياسي يمكن أن نملأه بمشروع نضالي منظم".
"أيام التشويش"
وشرح شبيطة فكرته حول ما أسماه "أيام التشويش"، موضحًا أنها تقوم على تنظيم إضرابات مدروسة ومتصاعدة كل شهر، تشمل قطاعات متعددة مثل الأطباء، المعلمين، والممرضين، بهدف خلق تأثير واسع على الحياة العامة في إسرائيل.
وأضاف: "الإضرابات التي كانت تقتصر على المدارس أو المكاتب المحلية لم تعد تجدي، نحن بحاجة إلى خطوات تُحدث تشويشًا حقيقيًا في الشارع الإسرائيلي كي يشعر صانع القرار بأن تجاهل المجتمع العربي مكلف اقتصاديًا وسياسيًا".
شبيطة: الحكومة تملك المعلومات حول الجريمة لكنها غير معنية
وأكد شبيطة أن الحكومة الإسرائيلية "تملك كل المعلومات عن الجريمة، لكنها ببساطة غير معنية بحلها"، مضيفًا: "الوزير السابق للأمن الداخلي، عمر بارليف، اعترف في حديث معي أن هناك تهاونًا واضحًا من الشرطة في التعامل مع الجريمة في البلدات العربية، لأن ذلك يخدم أجندات سياسية معينة".
وتقاطع الضيفان في الرأي حول أن المظاهرات وحدها لم تعد كافية، وأن المطلوب اليوم هو تحالف واسع يضم النقابات العمالية وأرباب العمل ووسائل الإعلام.
د.نهاد علي: التحدي الأكبر في كسب الشارع اليهودي
وبيّن د. نهاد أن التحدي الأكبر هو في كسب الشارع اليهودي نفسه: "حين يكون أكثر من نصف المجتمع الإسرائيلي مع تهجير العرب، من الصعب الحديث عن دعم أو تضامن، لذلك يجب أن نعمل على بناء شراكات حقيقية قائمة على المصالح المشتركة وليس فقط على الشعارات".
ورأى شبيطة أن "المجتمع العربي بحاجة إلى إعادة الثقة بنفسه قبل أن يطالب الآخرين بمساندته"، مضيفًا أن هناك ضرورة لخلق "حالة وعي جماعي جديدة تؤكد أن محاربة العنف هي دفاع عن الحق في الحياة وليس مجرد شعار سياسي".
وفي سياق النقاش، أوضح د. نهاد أن ضعف حضور القوى المحلية يعمق الأزمة، متسائلاً: "كم سلطة محلية عربية تخصص طواقم لمتابعة المتسربين من المدارس؟ وكم بلدية تعمل على برامج إعادة تأهيل الشباب المعرضين للانحراف؟" معتبرًا أن الحل لا يمكن أن يكون فقط في الشارع بل في بناء مؤسسات قوية قادرة على تحصين المجتمع.
وفي ختام الحوار، اتفق الضيفان على أن مواجهة العنف تتطلب رؤية طويلة المدى تتجاوز ردود الفعل المؤقتة. وقال شبيطة: "إذا تعاملنا مع الملف بعقلانية، فربما ننجح في تحويل هذه المرحلة من الإحباط إلى بداية وعي جديد".
بينما أكد د. نهاد أن "الحل يبدأ من الداخل، من إصلاح علاقتنا بمجتمعنا وبتنظيماتنا المحلية، لأن أي إصلاح خارجي لن ينجح ما لم نبدأ نحن في تحمل المسؤولية".