في إسرائيل، الحرب لم تعد تُقاس فقط بعدد الصواريخ أو الخسائر العسكرية، بل أيضًا بعدد الجيوب التي فرغت، والمشاريع التي توقفت، والعائلات التي فقدت مصدر رزقها.
العبء الاقتصادي اليوم بات أحد أخطر تبعات الحرب، إذ يشعر به المواطن في كل تفاصيل حياته: من ارتفاع الأسعار، إلى تقلّص فرص العمل، إلى تراجع الخدمات الاجتماعية.
لكنّ المجتمع العربي في الداخل يدفع هذا الثمن مضاعفًا مرة بسبب تداعيات الحرب نفسها، ومرة أخرى بسبب سياسات حكومية همّشته حتى في زمن الأزمات.
في بلدات عربية كثيرة توقفت المصالح الصغيرة، تجمّدت مشاريع البناء، وتراجعت فرص العمل، فيما يصل الدعم الحكومي متأخرًا، أو لا يصل أبدًا.
وفي ظل هذه الأوضاع، يشعر المواطن العربي أنه يعيش في دائرة مزدوجة من الإقصاء: اقتصاديًّا وسياسيًّا.
ومع اقتراب الانتخابات، تعود الأسئلة القديمة إلى الواجهة:
هل ما زال للعرب قدرة حقيقية على التأثير في المشهد السياسي الإسرائيلي؟
هل يمكن أن تُترجم معاناة الشارع العربي إلى حضور فعلي في صناديق الاقتراع؟
وهل يمكن لوحدة الصوت العربي أو ما يُعرف مجددًا بطرح "المشتركة، نعم أم لا؟" أن تعيد التوازن إلى الخارطة السياسية؟

الواقع يشير إلى أن الأزمة الاقتصادية تُعمّق الفجوات داخل المجتمع الإسرائيلي، وتزيد من هشاشة الفئات الضعيفة، وعلى رأسها العرب الذين يعيشون على هامش القرارات الاقتصادية الكبرى.
وفي المقابل، تبرز محاولات سياسية لتوظيف الأزمة في المعركة الانتخابية، عبر وعود اقتصادية جديدة وخطابات "طمأنة"، لا يجد المواطن العربي فيها ما يغيّر واقعه فعلًا.
في ظل هذا الواقع المأزوم، تبرز أهمية رفع نسبة التصويت في المجتمع العربي كواحدة من الأدوات القليلة المتبقية للتأثير الفعلي. فالصوت العربي لم يعد مجرّد تعبير رمزي، بل ورقة ضغط سياسية يمكن أن تغيّر موازين القوى وتفرض حضورًا في دوائر صنع القرار.
إنّ العزوف عن التصويت في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية لا يُعبّر عن احتجاج فاعل، بل قد يتحوّل إلى فراغ سياسي يزيد من التهميش ويمنح الآخرين فرصة تقرير مصير مجتمع بأكمله.
لهذا، فإنّ المشاركة في الانتخابات ليست واجبًا وطنيًا فحسب، بل خطوة دفاعية عن الحق في الكرامة والتمثيل والمساواة، خصوصًا في مرحلة تتراجع فيها العدالة الاجتماعية وتتّسع فيها الفجوات بين المركز والأطراف وازدياد قوة الأحزاب المتطرفة التي تستغل نسبة التصويت المنخفضة في المجتمع العربي لتعلو أسهمها وتعزز من قوتها وقيمتها.
في النهاية، تبقى الأسئلة مفتوحة:
من سيدفع ثمن الحرب الطويلة؟
ومن سيحمل أعباء الإنفاق العسكري والضرائب الجديدة؟
وهل سيكون للمجتمع العربي موقع على طاولة القرار، أم سيبقى خارجها يراقب المشهد من بعيد؟
ما بين الحرب والاقتصاد والانتخابات، يعيش المواطن العربي اليوم اختبارًا حقيقيًا: إما أن يكون حاضرًا ومؤثرًا ويحاول تغيير واقعه أو أن يبقى مجرّد رقم في معادلة لا تشمله إلّا عند فرز الأصوات.