عصر الاستنساخ الشامل: من يملك الإبداع في زمن الذكاء الاصطناعي؟

shutterstock

shutterstock

صورٌ تُستنسخ، أصواتٌ تُقلَّد، وأعمالٌ تُنتَج بلا صاحب… معركة جديدة على هوية الإبداع البشري!


في عالم يتسابق لتوليد كل شيء واستنساخه بضغطة زر، يعيش الإبداع البشري واحدة من أكثر لحظاته حساسية. فالذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة مساعدة، بل أصبح قوة توليدية قادرة على محاكاة الصوت والصورة والأسلوب والإنتاج الفني بدرجة تقترب من الكمال. وفي قلب هذا الزلزال التكنولوجي برز احتجاج الممثل الأميركي مورغان فريمان، الذي هدّد بمقاضاة كل من يستنسخ صوته دون إذن، ليكشف عن أزمة أوسع بكثير من مجرد خلاف فردي.


قضية فريمان ليست حدثًا عابرًا؛ إنها مثال حيّ على ما يواجهه الفنانون والمبدعون في عصر تُنتج فيه الخوارزميات "نسخًا" من البشر: أصوات تُستعاد بدقة مذهلة، صور تُولَّد كأنها التُقطت بكاميرا محترف، ومقالات وقصص ولوحات تُصنع بلا كاتب أو رسام. أصبح الإنسان مهددًا بأن يتحول إلى مصدر بيانات، تُستخرج منه الخوارزميات "نماذج" جاهزة لإعادة الإنتاج غير المحدود.




ومع انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، لم تعد عملية الاستنساخ حكرًا على شركات ضخمة. اليوم، يمكن لأي شخص أن ينتج صوت مذيع مشهور، أو صورة لنجم عالمي، أو محاكاة لأسلوب كاتب معروفة، وكل ذلك دون إذن أو مقابل. هذه القدرة غير المسبوقة فتحت نقاشًا عميقًا حول الملكية والشرعية والحقوق: من يملك النسخة الرقمية لصوت الفنان؟ هل يحق للآلة استنساخ صورة شخص واستخدامها لأغراض تجارية؟ وهل يمكن اعتبار "أسلوب الكتابة" أو "طابع الأداء" ملكية فكرية؟


التحديات هنا ليست فنية فقط، بل اجتماعية وأخلاقية وقانونية. فهناك خطر تزييف الهوية عبر أصوات وصور لا يمكن تمييزها عن الأصل، وخطر انتشار المحتوى المضلل، إضافة إلى تهديد مباشر لأرزاق المبدعين الذين يرون أن نسخاً رخيصة وسريعة من أعمالهم تتجول في السوق. ومع هذا كله، لم تتمكن التشريعات بعد من ملاحقة سرعة التكنولوجيا، ما يجعل الساحة مفتوحة لفوضى رقمية قد تمتد آثارها لسنوات.


لكن الصورة ليست سوداوية تمامًا. فهذه الأدوات نفسها تفتح آفاقًا جديدة للعمل الإبداعي: مخرج يعيد إحياء مشاهد تاريخية، وموسيقي يخلق عوالم صوتية جديدة، وكاتب يستخدم التوليد كمساحة اختبار للأفكار. الذكاء الاصطناعي يمنح قوة هائلة، لكن دون إطار منضبط، يمكن أن يتحول إلى قوة مدمّرة للهوية الإنسانية.


هنا يعود السؤال الجوهري: هل معركة مورغان فريمان "ديناصورية" يخوضها فنان ينتمي إلى زمن سابق؟ أم أنها معركة ضرورية لرسم الخطوط الحمراء قبل أن تصبح الأصالة مجرد أسطورة؟ الحقيقة أن احتجاج فريمان ليس رفضًا للتكنولوجيا، بل دفاعًا عن حق الإنسان في أن يظل مالكًا لصوته وصورته وأسلوبه، في عالم بات يخلط بين الأصل والنسخة بطريقة غير مسبوقة.


الإبداع في المستقبل لن يختفي، لكنه بالتأكيد سيتحوّل. ما نحتاجه اليوم ليس إيقاف التطور التكنولوجي، فهذا مستحيل، بل بناء منظومة تحمي حقوق المبدعين وتضمن ألا يصبح الإنسان مجرد قالب يمكن للآلة نسخه بلا حدود. فبين فوضى الاستنساخ وسعي الإنسان لحماية هوية إبداعه، تُرسم اليوم ملامح معركة ستحدد شكل الفن والمعرفة لعقود قادمة.



يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

phone Icon

احصل على تطبيق اذاعة الشمس وكن على
إطلاع دائم بالأخبار أولاً بأول

Download on the App Store Get it on Google Play