هل سينقذ الذكاء الاصطناعي التعليم… أم يحرر التعلّم؟

shutterstock

shutterstock

دعونا نبدأ من السؤال الصعب: هل دخل الذكاء الاصطناعي مدارسنا لينقذ التعليم؟

في زمنٍ يتسارع فيه كل شيء، من الأسواق إلى المعرفة، دخلنا في الاونة الاخيرة مرحلة جديدة، حيث ان المنصات الرقمية أصبحت أكثر "ذكاءً"، الواجهات الرقمية أكثر سلاسة، والمحتوى أكثر “شخصنة” بفضل الخوارزميات، وعليه تزايدت الوعود بأن "الذكاء الاصطناعي سينقذ التعليم"، وصرنا نسمع في كل مؤتمر، في كل ورشة، الوعود ذاتها: "الفصول الذكية"، "المعلم الرقمي"، "المدرسة المستقبلية"، "مهارات المستقبل"، "ثورة في التعليم"، وغيرها من المصطلحات البراقة.


لكن السؤال الجوهري: هل تغير جوهر التعلّم؟


الحقيقة المؤلمة أن الذكاء الاصطناعي لا يأتي منقذًا، بل كمرآةٍ تكشف هشاشة المنظومة التعليمية التي لم تتغير إلا في واجهتها الرقمية، ويكشف، ببروده الآلي، حجم العطب الذي نحاول إخفاءه منذ عقود.

خلف المصطلحات، يختبئ الواقع الصعب خجلًا من الانكشاف: نحن لم نُحدث ثورة في التعليم… نحن فقط قمنا برقمنة العجز القديم، وسمّيناه تحديثًا!



فبينما يتسارع التطور التكنولوجي، يبدو أن التعليم هو القطاع الوحيد الذي ما زال يسير بخطى الماضي، وما زلنا نعيش اليوم تحت إرثٍ ثقيل من “التعليم” الذي وُلد لتأهيل عمال الصناعة، لا لتمكين المفكرين والمبتكرين، وما زالت غالبية المدارس في معظم أنحاء العالم عالقة في عصرٍ صناعيٍ قد ولى وانتهى، وتُدرّب أبناءنا على التكرار والانضباط والطاعة، وخشية السؤال والتساؤل، في عالمٍ حديث يحتاج إلى الخيال، الفضول، القدرة على التعلّم المستمر، اعادة تشكيل المألوف، الابداع، والابتكار، وصياغة الاسئلة بدلاً من الحفظ وترديد الاجابات النموذجية، وهذا تماماً ما يحتاجه ويفرضه الاقتصاد الرقمي الحديث.


المفارقة أن الفجوة ليست تقنية، بل ثقافية وإنسانية


نحن نعيش اليوم في زمن الإبداع، وزمن إعادة التفكير، والعالم يسعى لمكافئة الفنان والمخترع والمغامر فكرياً وصانع المعنى. الاقتصاد الرقمي الحديث يكافئ من يستطيع أن يتعلّم من جديد، يبتكر، يبدع بالحلول، وها هو المنتدى الاقتصادي العالمي يقولها صراحة: “المرونة والفضول هما رأس المال الحقيقي في سوق العمل القادم.”، فأي مفارقة هذه أن نُعدّ أبناءنا للتنافس مع الآلات بدلًا من قيادتها، وأن نحصر الذكاء الإنساني في اختبارٍ متعدد الخيارات؟


الحقيقة أن الفجوة الحقيقية ليست في التقنية، بل في الثقافة والشجاعة، وقد حذرت اليونسكو مراراً من أن المشكلة ليست نقصًا في الذكاء الاصطناعي، ولا في آلياته وأدواته، بل في نقص الكفاءة الأخلاقية والجاهزية المهنية للمعلّمين، وفي خوف الأنظمة من التغيير الحقيقي، وبدلًا من إعادة بناء فلسفة التعلّم، ننغمس في مشاريع “لامعة”، مثل مشاريع “التجربة الرقمية”، التي تمنحنا شعورًا زائفًا بالتقدّم، وكأننا نُفضّل وهم الحركة على وجع، ولربما، فوضى، التحوّل.




لكن المفارقة الأجمل، أن الذكاء الاصطناعي لا يُقصي المعلمين، بل يُقصي الأعذار التي نختبئ وراءها منذ عقود:

- الأعذار التي تبرّر لماذا لا يمكن تخصيص التعلّم، وجعله شخصيًا،

- الأعذار التي تخشى فضول الطفل لتبرير لماذا لا يُمكن للفضول أن يكون معيارًا للتقييم،

- الأعذار التي تبرر تأجيل الإصلاح إلى "اللجنة القادمة" أو "الخطة القادمة".


في دولٍ سبقتنا، مثل فنلندا وسنغافورة والإمارات، يستخدم المعلّمون الذكاء الاصطناعي كمساعد ذكي، لا كبديل، ليستعيدوا ما يقارب ثلث وقتهم الإداري، ويعودوا إلى الجوهر الاسمى والمهمة الاهم: تربية العقول لا ملء الجداول، والتعليم الإنساني، القائم على الحوار، والبحث، والإلهام.


الذكاء الاصطناعي ليس معلمًا أفضل، ولا يُحرر التعليم، بل يحرر الإنسان من عبء التعليم الروتيني، ويعيده إلى مركز العملية التعليمية. إنه يتيح للمعلّم أن يكون مربيًا، ولطالب التعلّم أن يكون مستكشفًا، لا مجرد مستقبلٍ للمعلومة.


في الحاضر، نحن أمام مفترق طرق، ولا بد من طرح السؤال المحوري: هل نستخدم الذكاء الاصطناعي لجعل البشر زائدين عن الحاجة؟ أم لجعلهم لا يُستبدلون أبدًا؟


الأول طريقٌ سهل، لكنه يقود إلى ضياع المعنى، أما الثاني، فهو الطريق الأصعب، والوحيد نحو مستقبل يتعلّم فيه الإنسان كيف يبقى إنسانًا، والقادر على إنقاذ روح التعلّم الإنساني، في زمنٍ يتعلّم فيه الذكاء الاصطناعي كل شيء، إلا أن يكون إنسانًا.



يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

phone Icon

احصل على تطبيق اذاعة الشمس وكن على
إطلاع دائم بالأخبار أولاً بأول

Download on the App Store Get it on Google Play