في خضم المتغيرات الإقليمية السريعة، تبرز ملامح تحالف سعودي – إيراني غير مسبوق، يعيد تشكيل المشهد السياسي والأمني في الشرق الأوسط. هذا التقارب بين القوتين الإقليميتين، برعاية دولية لا تخلو من البصمة الصينية، يشكل مصدر قلق متصاعد لدى صناع القرار في إسرائيل، الذين يرون في هذا التحالف تهديدًا مزدوجًا: إضعاف الجبهة الإقليمية ضد طهران، وتراجع الدعم الأمريكي التقليدي للموقف الإسرائيلي.
تقارب سعودي–إيراني: المصالح أولًا
على مدار العقود الماضية، كانت العلاقات السعودية الإيرانية قائمة على التوتر والصراع بالوكالة في عدة ساحات إقليمية. غير أن التحولات الأخيرة، بما في ذلك توقيع اتفاق استئناف العلاقات بوساطة صينية، أظهرت أن الدولتين باتتا تضعان مصالحهما الاقتصادية والسياسية فوق الخصومات القديمة.
المملكة العربية السعودية، الساعية إلى تنفيذ "رؤية 2030" وتحويل اقتصادها بعيدًا عن النفط، تحتاج إلى استقرار إقليمي يسمح بتدفق الاستثمارات وتحقيق التنمية. من جهتها، إيران، المنهكة بالعقوبات، ترى في تحسين العلاقات مع الرياض فرصة لتخفيف عزلتها وتوسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي.
بن فرحان وبازكشيان في الدوحة
دفعت هذه المصالح المتبادلة إلى تقارب تدريجي، توج باتفاقيات أمنية وتجارية متقدمة، وتفاهمات غير معلنة حول ملفات إقليمية عدة، بما فيها اليمن وسورية.
السعودية وتأثيرها على القرار الأمريكي تجاه إيران
لم يقتصر تأثير التحالف الناشئ مع إيران على الإقليم، بل وصل إلى البيت الأبيض. فبحسب مصادر دبلوماسية غربية، مارست الرياض ضغوطًا قوية على إدارة ترامب، لحثها على تجنب المواجهة العسكرية مع طهران، خوفًا من تداعيات حرب قد تجر المنطقة كلها إلى الفوضى.
السعودية، التي لطالما دعمت سياسة الضغط القصوى ضد إيران، تبنت موقفًا أكثر براغماتية مؤخرًا: التهدئة ثم التفاوض. وهذا ما دفع ترامب إلى التراجع عن نهجه التصعيدي، والسعي نحو مسار دبلوماسي لحل الخلاف النووي مع طهران، حتى لو تطلب ذلك تقديم تنازلات كبيرة.
من جهة أخرى، للمملكة طموحات نووية مدنية مشروعة، وهي تدرك أن أي اتفاق أمريكي – إيراني حول الطاقة النووية قد يفتح لها المجال للحصول على امتيازات مماثلة مستقبلًا.
إسرائيل: الخطر يأتي من الرياض وطهران معًا
من وجهة النظر الإسرائيلية، لم تعد طهران وحدها تشكل التهديد الرئيسي، بل أيضا الانعطافة السعودية. فإسرائيل لطالما اعتبرت السعودية حجر الزاوية في التحالف الإقليمي غير الرسمي ضد إيران. وكان التنسيق الأمني بين تل أبيب وبعض العواصم الخليجية، بما فيها الرياض، أحد ركائز استراتيجيتها لمواجهة تمدد النفوذ الإيراني.
الآن، مع التقارب السعودي الإيراني، تفقد إسرائيل أحد أهم شركائها الإقليميين، وتجد نفسها في مواجهة جبهة أكثر تماسكا بين طهران والعالم العربي.
التخوف الإسرائيلي لا يقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل يمتد إلى المجالات الاقتصادية والدبلوماسية. فإيران قد تحصل على تدفقات مالية جديدة من التعاون مع السعودية، مما يمكّنها من دعم حلفائها العسكريين، كحزب الله وحماس. إضافة إلى ذلك، إذا أصبح الملف النووي الإيراني قابلاً للتسوية عبر التفاهم مع دول الخليج، قد تجد إسرائيل نفسها معزولة في معارضتها لأي اتفاق جديد.
إسرائيل بين خيارين صعبين
أمام هذا الواقع الجديد، تقف إسرائيل أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما قبول الواقع والعمل على التكيف مع ترتيبات إقليمية قد لا تكون في صالحها بالكامل، أو التحرك المنفرد لعرقلة المشروع الإيراني، مما قد يتطلب عمليات عسكرية نوعية.
أشارت صحف إسرائيلية وتقارير استخباراتية إلى أن الجيش الإسرائيلي رفع من مستوى جاهزيته لاحتمال تنفيذ عمليات ضد المنشآت النووية الإيرانية، إذا ما وصلت المفاوضات إلى نتيجة تعتبرها تل أبيب "تهديدًا وجوديًا".
في الوقت نفسه، تواصل إسرائيل مساعيها لحشد دعم داخل الكونغرس الأمريكي والرأي العام الدولي، في محاولة للتأثير على مسار المفاوضات، والضغط باتجاه شروط أكثر صرامة تجاه طهران.
ترامب: بين المصالح الانتخابية وحسابات الحلفاء
من جانب آخر، لا يمكن تجاهل العامل الشخصي والسياسي في حسابات ترامب. الرئيس الأمريكي يرى في تحقيق انفراج مع إيران فرصة لتعزيز حظوظه على صعيد الرأي العام الأمريكي والعالمي، عبر تقديم نفسه كرجل الصفقات الذي أوقف "حربًا مدمرة" قبل اندلاعها.
هذا التوجه، خاصة وأنّه مستند ربما إلى رغبة داخلية لدى ترامب بالحصول على جائزة نوبل للسلام، يجعل مصالح الحلفاء التقليديين، كإسرائيل، في مرتبة أدنى من حسابات السياسة الداخلية الأمريكية، ما يزيد من شعور تل أبيب بالعزلة والخذلان.
شرق أوسط جديد يتشكل
المشهد الشرق أوسطي يتغير بسرعة مذهلة. تحالفات تتبدل، خطوط تماس يعاد رسمها، وأدوار القوى الإقليمية يعاد تعريفها. التقارب السعودي الإيراني، بتداعياته على ملف إيران النووي وعلى التوازنات الإقليمية، يعيد صياغة المعادلة الأمنية والاستراتيجية بالكامل.
بالنسبة لإسرائيل، هذه التحولات تفرض إعادة تقييم شاملة لاستراتيجيتها. فالعالم الذي كانت فيه تحظى بدعم غير مشروط من أمريكا، وتستند إلى جبهة عربية مناهضة لإيران، يبدو في طريقه للزوال. والتحدي الأكبر الآن: كيف يمكن التعامل مع شرق أوسط متعدد الأقطاب، حيث المصالح الاقتصادية والاستقرار الإقليمي باتا يتفوقان على الاعتبارات الأمنية التقليدية؟
الأشهر القليلة القادمة قد تكون حاسمة، ليس فقط لمستقبل البرنامج النووي الإيراني، بل لمستقبل التوازنات في الشرق الأوسط برمته.