صباحٌ جديد اشرق على العالم، يحمل في طيّاته أنباء عن اتفاقٍ وُقِّع في شرم الشيخ، بعد حربٍ أنهكت البشر والحجر.
هو صباحٌ مختلف، فيه تتقدّم لغة الإنسانية خطوةً صغيرة إلى الأمام، ويعلو صوت العقل — ولو بخفوت — على صخب البنادق الذي دوّى طويلًا في المنطقة.
لغة الاتفاق... أبعد من الورق
ليست اتفاقية شرم الشيخ مجرّد بنودٍ تُوقَّع بين وفودٍ متعبة، بل محاولة لإعادة ترتيب نبض الحياة في منطقة أنهكها الدمار والغياب.
فكلّ توقيع على ورقة هو في جوهره توقيع على فرصة للعودة، واعتراف ضمني بأن لا أحد يربح في الحروب.
ومع ذلك، يدرك الجميع أن السلام في الشرق الأوسط لا يُقاس بالنوايا، وأن وراء كل اتفاق شبكة من الحسابات والمصالح والضغوط المتبادلة.
مصالح القوى الكبرى والمانحين
خلف الصورة الرمزية للسلام، تتحرك الولايات المتحدة والدول المانحة على خطوطٍ متشابكة بين المعلن والضمني.
ففي العلن تُرفع شعارات "الاستقرار الإقليمي" و"الجهود الإنسانية"، أما في العمق، فثمة مصالح اقتصادية واستراتيجية لا تقل وزنًا عن البنود السياسية: تأمين الممرات المائية، حماية الحلفاء، وضمان استمرار النفوذ في منطقةٍ لا تهدأ.
وفي المشهد ذاته، لا يمكن إغفال أن الانتخابات القريبة في إسرائيل تلقي بظلالها على وتيرة المفاوضات وطبيعة الخطاب السياسي، إذ يسعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى توظيف الاتفاق كإنجازٍ انتخابي يقدّمه لجمهوره الداخلي، بعد عامين من حربٍ أنهكت الاقتصاد وزادت الانقسام في الداخل الإسرائيلي، بينما يرى خصومه في الاتفاق فرصة لإظهار فشل الحكومة في إدارة الحرب وبناء مسار سياسي مستقر.
أما الدول المانحة، فتربط مساعداتها الاقتصادية بشروطٍ واضحة، تجعل من "إعادة الإعمار" أداة ضغطٍ سياسيٍّ بقدر ما هي وسيلة دعمٍ إنساني.
الوجوه البعيدة عن الكاميرات
لكن بعيدًا عن المؤتمرات والبيانات، تبقى الصور الأكثر صدقًا خارج العدسات:
أمّ تقف على حافة الطريق تنتظر عودة ابنها،
وفتاة تترقّب لقاءً مؤجّلًا،
وطفل صغير يستيقظ مذعورًا أو جائعًا، لا يعرف من العالم سوى أن الحروب تطفئ ضوء طفولته كل مساء.
هذه الوجوه هي المعنى الحقيقي لأي اتفاق، وهي التي تمنحه شرعيته الأخلاقية، حين تغيب اللغة السياسية ويعلو وجع الإنسان.