اقتحام بن غفير للقيّة: بين خطاب القبضة الحديدية وتحويل العرب إلى ملف أمني

shutterstock

shutterstock

زار وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، الليلة الماضية بلدة اللقية في النقب، تحت حراسة مشددة من قوات الشرطة وحرس الحدود. جاءت الزيارة في سياق تصاعد التوترات والاحتجاجات في البلدة عقب إغلاق المدخل الرئيسي لها بمكعّبات إسمنتية، وهو إجراء أثار غضب الأهالي ودفعهم للتظاهر احتجاجا على ما اعتبروه عقابا جماعيا لا علاقة له بمكافحة الجريمة.



الاقتحام الأخير يأتي على الرغم من الاحتجاجات التي رافقت زيارته الأولى للبلدة قبل أيام فقط، ويمثّل ثاني دخول له إلى اللقية خلال فترة قصيرة. كما أنه يأتي ضمن سلسلة زيارات واقتحامات مشابهة نفّذها الوزير خلال الأشهر الأخيرة في بلدات عربية أخرى بدعوى معالجة "الفوضى الأمنية" وارتفاع معدلات الجريمة.


ما الذي حدث في اللقية؟


خلال الزيارة، فرضت طوقًا أمنيًّا واسعًا، وشاركت في الحماية وحدات من الشرطة، وحرس الحدود، ووحدات خاصة، فيما بقيت الطرق الداخلية شبه مشلولة. وأثار إغلاق المدخل الرئيسي للبلدة بواسطة مكعبات إسمنتية صدمة بين السكان، إذ أصبحت البلدة فعليا معزولة عن محيطها لساعات طويلة، الأمر الذي زاد من حدّة الاحتجاجات.


وقال الأهالي إن هذا الإغلاق لم يكن له أي هدف أمني فعلي، بل جاء لإظهار القوة ورفع مستوى الضغط على السكان بعد اتهامات وُجهت للبلدة بأنها مصدر إطلاق نار نحو مستوطنات مجاورة.


تصريح الوزير ومنطقه الرسمي


في بيان مقتضب أمام الكاميرات، قال بن غفير خلال زيارته: "لن يثنينا شيء. نحن نفعل ما لم نفعله منذ 30 عاما؛ من كان جيّدا، فسنكون جيّدين معه، ومن ليس كذلك سيُعامل بيد قويّة. أفهم أن هناك سكانا يمرّون بوقت عصيب، فليتجاوزوا ذلك. جئنا لنذكّرهم من هو صاحب المكان في دولة إسرائيل".





وفق روايته الرسمية، الهدف من هذه الخطوات هو مكافحة الجريمة و"استعادة النظام"، استجابة لشكاوى من مستوطنات قريبة حول إطلاق نار مصدره اللقية، وللحدّ من تصاعد الجريمة المنظمة في المجتمع العربي. ويقدم الوزير نفسه بوصفه صاحب "القبضة الحديدية" الذي سيحقق ما فشلت به الحكومات المتعاقبة. لكن هذا الخطاب، الذي يجمع بين التهديد واستخدام القوة وتأكيد الهيمنة، أثار انتقادات واسعة، إذ يرى كثيرون أنه يتعامل مع عرب النقب كخصوم سياسيين أو كمجموعة يجب إخضاعها، وليس كمواطنين يتطلعون للأمن والخدمات.


 رواية المجتمع المحلي: "هذه ليست مكافحة جريمة، هذا ترهيب"


قادة وممثلو اللقية عبّروا عن رفضهم الشديد لهذه الإجراءات، مؤكدين أن ما يجري ليس حملة لمكافحة الجريمة، بل استفزاز متعمّد وسياسة عقابية تهدف إلى تحميل مجتمع بأكمله مسؤولية أحداث فردية.


السكان: الشرطة تحاصر المواطنين وليس المجرمين


يرى السكان أن وزارة الأمن القومي تتعامل مع اللقية مثلها مثل بلدات عربية أخرى  باعتبارها "مشكلة أمنية"، لا مجتمعا مدنيا يحتاج إلى خدمات، وبنى تحتية، وسياسات اجتماعية. ويقول أهالي البلدة إن الخطوات التي اتُّخذت لم تُظهر أي تركيز على المجرمين الحقيقيين، بل نُفّذت بطريقة شاملة جعلت كل السكان تحت طائلة الشبهة والمعاقبة الجماعية.


الشرطة كقوة تنفيذ للهدم والاقتحامات، لا لحماية الناس


يُنتقد أيضا نوع الوحدات التي يتم نشرها. بدل وحدات التحقيق والمخابرات الشرطية، يلاحظ السكان وجودا مكثفا لوحدات حرس الحدود، وهي وحدات عسكرية الطابع مخصصة عادة للمواجهات، لا للعمل البوليسي المدني. ويقول أهالي اللقية إنهم يشاهدون هذه الوحدات عند تنفيذ هدم المنازل أكثر مما يشاهدونها عند ملاحقة مطلقي النار.


shutterstock



 المفارقة الأمنية: هل السيطرة على الجريمة هي الهدف فعلا؟



تطرح الزيارة أسئلة عن جدوى سياسة "اليد القوية"، خاصة في ظل الأرقام المتداولة حول الجريمة في المجتمع العربي. فوفق المعطيات المعلنة، ارتفع عدد ضحايا الجريمة في عهد بن غفير، بدل أن ينخفض. والأسوأ، وفق مصادر حقوقية، أن 12 مواطنا عربيا قُتلوا برصاص الشرطة منذ توليه الوزارة. تثير هذه المعطيات السؤال التالي: إذا كان الهدف مكافحة الجريمة، فلماذا تزداد الجريمة؟ وأين هي خطط:


• التربية والتعليم؟

• التشغيل وفرص العمل للشباب؟

• الاستثمار في البنى التحتية؟

• معالجة الفقر؟


النقاش السياسي الأوسع: دور الوزير وحدود الصلاحيات


يثير نزول وزير الأمن القومي بنفسه إلى "مسرح الأحداث" جدلا سياسيا واسعا. فالمتعارف عليه في الدول الديمقراطية أن الوزير يضع السياسات العامة ويراقب تنفيذها، بينما يدير القادة الميدانيون العمليات اليومية. لكن بن غفير حوّل هذه الزيارات إلى مشاهد إعلامية مصممة لإرسال رسالة سياسية أكثر من كونها خطوات مهنية لحلّ الجريمة.


اقتراح إشراك الشاباك: خطوة تكشف عمق النهج، لا سياسة تم تطبيقها


من بين الخطوات التي أثارت ضجة كبيرة كان اقتراح بن غفير إشراك جهاز الشاباك في مكافحة الجريمة في المجتمع العربي. ورغم الضجة التي أثارها، لم يتحول هذا المقترح إلى قانون أو سياسة رسمية، ولم يُمنح الشاباك صلاحية رسمية للعمل في قضايا الجريمة المدنية. ومع ذلك، يبقى المغزى الحقيقي لهذا المقترح ليس في إمكانية تطبيقه، بل في الرؤية التي يعكسها الوزير:


• أن العرب ليسوا مواطنين بحاجة إلى حماية الشرطة المدنية

• بل ملف أمني يجب أن تتعامل معه أجهزة الأمن السيادية


وهذا، بحسب معارضي الوزير، يفتح بابا خطيرا نحو تجريم جماعي سياسي للمجتمع العربي، عبر نقل قضاياه من دائرة الحوكمة المدنية، والتربية، والتشغيل، إلى دائرة الأمن القومي والمخابرات.


 جذور المشكلة: قضية حوكمة وليست قضية أمن


يشدّد خبراء اجتماعيون وقادة مجتمع على أن جذور الجريمة في البلدات العربية تأتي من:


• تراجع مستوى التعليم

• غياب برامج توظيف للشباب

• نقص التخطيط والبنى التحتية

• التمييز المزمن في الميزانيات

• الفقر وتآكل الخدمات الاجتماعية


ويؤكدون أن حلّ ظاهرة العنف والجريمة لا يمكن أن يكون أمنيا فقط، وأن التعامل مع مجتمع كامل عبر لغة "الهيمنة" و"التذكير بصاحب المكان" يفتح الباب لمزيد من الاحتقان ويضعف الثقة بالشرطة والدولة.


 خلاصة: صراع على الرواية وعلى المستقبل


ما حدث في اللقية ليس مجرد زيارة لوزير ولا مجرد إغلاق مدخل بلدة. إنه مشهد مكثّف للصراع حول معنى المواطنة وموقع العرب داخل الدولة. الحكومة تقدم خطابا يركّز على "استعادة السيطرة" و"اليد القوية"، بينما يشعر السكان بأنهم يتعرضون لتجريم جماعي وأن الدولة تتعامل معهم كملف أمني، لا كمواطنين. النتيجة هي فجوة تتسع يوما بعد يوم بين الدولة ومواطنيها العرب، وسط تزايد العنف والجريمة وانعدام الثقة.


ومع استمرار هذا النهج، يبدو أن العلاقة بين المجتمع العربي وأجهزة الأمن ستكون واحدة من أكثر الملفات انفجارا في الحياة السياسية الإسرائيلية خلال السنوات المقبلة، وأن الحل لن يأتي من الاقتحامات ولا من المكعبات الإسمنتية، بل من صياغة سياسة جديدة تعترف بأن الأمن يبدأ من العدالة، وأن المجتمع لا يُدار بالقوة بل بالثقة والاستثمار والحقوق.


اقرأ أيضًا | 

زيارة بن غفير للقية: استفزاز سياسي أم استعراض قوة؟

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

phone Icon

احصل على تطبيق اذاعة الشمس وكن على
إطلاع دائم بالأخبار أولاً بأول

Download on the App Store Get it on Google Play