تواجه إسرائيل موجة غير مسبوقة من الإدانات والإجراءات العقابية الدولية، لا سيما بحق وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، على خلفية تصريحات وتحركات وصفت بأنها عنصرية وتحريضية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
حظر سفر وعقوبات شخصية على بن غفير وسموتريتش
في خطوة لافتة، أعلنت هولندا، يوم أمس الاثنين، منع الوزيرين من دخول أراضيها، متهمة إياهما بـ"التحريض المتكرر على عنف المستوطنين، والدعوة لتطهير عرقي في غزة، ودعم التوسع الاستيطاني غير القانوني"، وذلك بعد ايام معدودة من ادراج الوكالة الوطنية للأمن في هولندا إسرائيل لأول مرة على قائمة الدول التي تشكل تهديدا للبلاد.
تأتي هذه الخطوة ضمن تحرك أوسع داخل الاتحاد الأوروبي لبحث فرض قيود على العلاقات مع إسرائيل، بما في ذلك تعليق برامج البحث والتعاون الأكاديمي.
في يونيو 2025، فرضت كل من بريطانيا، كندا، أستراليا، نيوزيلندا، والنرويج عقوبات على بن غفير وسموتريتش، شملت: تجميد أصول داخل حدودها، حظر سفر إليهم، منع التعاملات المالية الرسمية معهم.
وأكدت هذه الدول أن الخطاب والممارسة التي يتبناها الوزيران تساهم في تقويض القانون الدولي وشرعنة العنف ضد المدنيين.
وفي تحرك منفصل، أعلنت سلوفينيا في يوليو الحالي إدراج الوزيرين ضمن قائمة "غير المرغوب فيهم"، محملة إياهما مسؤولية "التحريض على الكراهية والعنصرية الممنهجة".
الاتحاد الأوروبي يدرس تعليق التعاون العلمي والتجاري
لا تقتصر العقوبات على الأفراد، إذ يتعرض الاتحاد الأوروبي لضغوط متصاعدة لتعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل بسبب "انتهاكها الواضح لبنود حقوق الإنسان".
ويدرس الاتحاد حاليًا: تعليق مشاركة إسرائيل في برنامج Horizon Europe للأبحاث وتجميد برامج التبادل الطلابي Erasmus وحظر واردات المنتجات القادمة من المستوطنات في الضفة الغربية.
وفي حين أن تعليق الاتفاقية بالكامل يتطلّب إجماعًا أوروبيًا – وهو غير مرجّح حاليًا بسبب مواقف دول مثل ألمانيا والنمسا والمجر – إلا أن الإجراءات الجزئية يمكن اعتمادها عبر ما يُعرف بـ"الأغلبية المؤهّلة" داخل المجلس الأوروبي، وهو ما تدعمه حتى الآن 17 دولة عضو.
وبحسب تسريبات صحفية، فإن اجتماعًا للمفوضية الأوروبية هذا الأسبوع ناقش مقترحًا من إسبانيا وهولندا لتعليق جزئي فوري، في خطوة ستُعتبر الأولى من نوعها منذ توقيع الاتفاقية عام 2000.
رد إسرائيلي: لا تراجع أمام الضغط
في ردّ رسمي على هذه التحركات، صرّح وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس اليوم قائلاً:
"الضغوط الدبلوماسية لن تغيّر سياستنا. لا عقوبات ولا تهديدات ستقنع إسرائيل بالتنازل عن حقها في الدفاع عن نفسها".
وأضاف كاتس أن الدول التي "تنساق وراء الحملات المعادية لإسرائيل" ترتكب خطأ استراتيجيًا، ملوّحًا بأن تل أبيب ستُعيد النظر في علاقاتها مع أي جهة تتخذ إجراءات عقابية ضد وزرائها أو مصالحها الأمنية.
لكن العديد من المراقبين يعتبرون هذا الرد محاولة دفاعية في وجه تصدّع غير مسبوق في الحصانة الدولية التي طالما تمتعت بها إسرائيل، وسط تحوّل تدريجي – وإن بطيء – في مواقف بعض العواصم الغربية.
بداية تشقّق في الغطاء السياسي لإسرائيل؟
تمثل هذه العقوبات – رغم محدوديتها – اختراقًا رمزيًا لقاعدة "الحصانة السياسية" التي حمت إسرائيل طويلاً من المحاسبة، خصوصًا في الغرب. ويُنظر إلى استهداف شخصيات وزارية – لا مجرد مستوطنين أو جنرالات سابقين – كتصعيد في طبيعة الردّ الدولي. وتمثل هذه العقوبات أول تحرك ملموس دولي ضد شخصيات بارزة في الحكومة الإسرائيلية على خلفية مواقف أيديولوجية متطرفة.
كما أن تحرّكات الاتحاد الأوروبي، وإن كانت غير موحّدة بعد، تشير إلى إرادة سياسية جديدة لتفعيل أدوات الضغط الاقتصادية والمؤسسية، ولو ضمن حدود الاتفاقيات القانونية السارية.
لكن في المقابل، تواصل الولايات المتحدة معارضة فرض أي عقوبات مباشرة على إسرائيل، معتبرة أن الحل الوحيد للأزمة هو العودة إلى طاولة المفاوضات، وليس معاقبة أحد الأطراف.
عزلة دولية تلوح في الأفق؟
قد لا تكون هذه العقوبات كافية لوقف السياسات الإسرائيلية، لكنها تعكس تغيرًا في المزاج الدولي، يُشبه – في بعض أوجهه – ما شهدته جنوب أفريقيا في سنواتها الأخيرة من نظام الفصل العنصري. فمع تصاعد الأصوات الحقوقية، وتراجع التسامح مع خطاب الكراهية، تبدو إسرائيل اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى فقدان شرعيتها الأخلاقية في الغرب.
ورغم أن العقوبات لا تمسّ بعد جوهر العلاقة الاستراتيجية بين أوروبا وتل أبيب، إلا أنها تشير إلى تصدّع متزايد في الغطاء الدبلوماسي والسياسي الذي لطالما تمتعت به إسرائيل، خاصة في ظل ازدياد الضغط الشعبي والأممي.
ويبقى السؤال ما إذا كانت هذه الخطوات ستتوسّع إلى عقوبات فعلية على مستوى الدولة؟